بشار الأسد
بشار الأسد
-A +A
عبدالله الغضوي (إسطنبول) GhadawiAbdullah@
لم يكن الرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي، يحتاج لأكثر من أربعة أسابيع حتى يفضل مغادرة البلاد، على المواجهة مع الشعب التونسي وانقسام الجيش ليطوي 23 عاما من الحكم دون إراقة دماء، لتدخل تونس في عهد جديد أخرج أرباب الإسلام السياسي «البعبع» إلى واجهة المشهد مرة أخرى.

في مصر كانت العجلة أكثر سرعة بحكم الطبيعة السياسية والعسكرية، إذ بدأت الاحتجاجات في 25 يناير 2011، وسط مواجهات كادت أن تودي البلاد إلى الهاوية إلا أن موقف الجيش غيّر المعادلة على الأرض، وفضل الرئيس الراحل حسني مبارك التنحي في الحادي عشر من فبراير. أما في ليبيا فكان المشهد أطول، إذ دخلت البلاد في حرب أهلية مازالت تجر ذيولها حتى الآن، امتدت هذه المواجهة إلى ستة أشهر انتهت بسيطرة المسلحين على العاصمة طرابلس واعتقال نجل معمر القذافي سيف الإسلام، وإعلان نهاية حقبة العقيد معمر القذافي في أغسطس 2011 بينما قتل في أكتوبر من ذات العام. في اليمن حاول الرئيس الراحل علي صالح الاستمرار في اللعب على تناقضات وانقسام المجتمع، خصوصا وأنه كان ضامنا لولاء الجيش، إلا أن تدخل دول مجلس التعاون الخليجي للحؤول دون تشظي الوضع قادت الرئيس علي صالح إلى التخلي عن الحكم، لكنه بقي يدير اللعبة من الخارج إلى أن انتهت بمقتله على يد حلفائه الحوثيين في ديسمبر عام 2017.


ماذا قال طلاس وخدام؟

في الرابع من نوفمبر عام 2019 أجرى فراس طلاس نجل وزير الدفاع السوري السابق مصطفى طلاس مقابلة على قناة «روسيا اليوم»، كشف فيها عما قاله والده عن صعوبة إسقاط النظام، وقال إن والده كان متأكدا من أن سقوط النظام السوري سيعني سقوط النظام العالمي.

وأوضح طلاس خلال برنامج تلفزيوني أن أباه جمعه مع أخيه عندما قررا الخروج من سورية، وقال لهما: «هذا النظام لا تستطيعون إسقاطه لا أنتم ولا الدول العربية.. لأن حافظ الأسد هو من نسجه داخل النظام العالمي وسيسقطان معا حال سقوطه».

أما عبدالحليم خدام نائب الرئيس السوري السابق وكاتم أسرار النظام، فقد قال في أكثر من مقابلة إن نظام الأسد لا يمكن أن يسقط إلا من خلال عملية عسكرية يقودها تحالف بقيادة الولايات المتحدة، أما مثل هذه الاحتجاجات فالنظام قادر على تحويلها إلى حركات تمرد وإرهاب يمكن مواجهته، وحتى الاعتماد على دول داعمة وهذا ما حدث بالفعل، إذ اختلطت الاحتجاجات بتيارات دينية راديكالية أدت في عام 2015 إلى سيطرة داعش على أكثر من 30 % من البلاد.

هشاشة الموقف الدولي ومصلحة إسرائيل

سوريا «الأسد» خالفت القانون العربي، فكل السيناريوهات الماضية لم تندرج عليها، والأكثر من ذلك أساء الجميع التعامل مع الأزمة وتجاهل خصوصية النظام، وفي كل مرة كان هناك عجز دولي عن تفسير مسارات الأزمة المتوقعة، وبعد هذا العجز دخلت البلاد في أزمة تحولت في ما بعد إلى مصدر الأزمات العالمية، نتيجة الموقع الحيوي لسورية وتداخل المصالح الإقليمية والدولية، وخبرة النظام في إدارة الأزمات خصوصا الأمنية منها، واللعب على ضعف وهشاشة الموقف الدولي، ناهيك عن الرؤية الإسرائيلية للوضع في سورية والتي لم تكن غائبة البتة عن الحالة السورية.

أما على المستوى السوري الداخلي، فقد كانت علاقة الحكم في سورية بالجيش والأجهزة الأمنية، اللذين بناهما الأسد الأب على هواه ووفقا للمصلحة «العصبية» على حد وصف ابن خلدون أو بالأدق الطائفية، وهي حسب عموم المراقبين الوصفة السحرية الحامية للنظام، وهو ما جعل الحكم في سورية أكثر تماسكا، بسبب طغيان المصلحة العصبية الطائفية على مصلحة «الدولة»، ذلك أن العصبة العسكرية والأمنية تنتمي لتيار ومذهب ديني واحد، وهذا جعل النظام يستخدم الورقة الطائفية بكل خبث، ليعبر نهر الاحتجاجات ويحول الصراع من احتجاجات تطالب بسقوط نظام ديكتاتوري يمارس القمع في الحرب والسلم على شعبه، إلى حرب ضد الإرهاب من خلال مساهمته في صناعة التطرف وإتقان تصديره إلى الدول الإقليمية، بل يرى البعض أن أجهزة الأمن السورية وفرت البيئة الآمنة والمخصصة لنمو الإرهاب، مستدلين بذلك على خروج النظام السريع من دير الزور والرقة اللتين تحولتا في وقت لاحق إلى عواصم لتنظيم «داعش» الإرهابي.

أجندة أمريكا.. إيران وليس الأسد

هذا الشهر تكون الأزمة السورية -أتمت السنوات التسع، وكل شيء في المحيط يتغير إلا الأسد فهو باق في الحكم رغم تدمير ما يقارب 80% من سورية وفق إحصاءات الأمم المتحدة، اختفى الخطاب الدولي الذي بدأ يطالب بداية الأزمة برحيل الأسد، ولم يعد رحيله ضمن هذا الخطاب الذي نادى برحيل مبارك والقذافي وصالح، بل إن دولا كبرى تبدلت مواقفها من الأسد منها فرنسا التي صرح رئيسها أنه لا مشكلة مع الأسد، بينما الولايات المتحدة لا تعير اهتماما لرحيل الأسد أو بقائه بقدر ما يعنيها خروج المليشيات الإيرانية، أما تركيا فلم تتمكن على مدار السنوات من التأثير على النظام، بل حتى العملية العسكرية الأخيرة التي كلفت النظام خسائر فادحة مرت مرور الكرام، فيما بدأت الجامعة تغير خطابها، ودعت في أكثر من مناسبة إلى إمكانية عودة دمشق إلى مقعدها، بينما تتربع روسيا الآن على قمة الدول الداعمة للنظام، أما إيران فقدمت أكثر من 36 مليار دولار لدعمه.

خيار التدخل الخارجي

هل يعبر الأسد نهر الآلام، وهل يكسر قاعدة ما يسمى بـ«الربيع العربي» الذي أزاح زعماء أربع دول عربية؟ وهل يكون رجل الحرب وما بعد الحرب ويكمل مصيره السياسي؟.السرد الماضي للأحداث المحيطة يكشف حجم التعقيد والخلط المتعمد للحالة السورية، إذ استفادت المنظومة الأمنية من كل التجارب العربية، وعلى ما يبدو أنها وضعت سيناريوهات كل دولة وبدأت التعامل معها لتحاشى نفس المصير، لكن السر الأقوى في سورية هو تماسك «الجيش العصبة» والأجهزة الأمنية التي اصطفت مع الأسد من هرم الإدارة.. ولولا هاتان المؤسستان لما تمكنت روسا وإيران من تثبيت الدعم عبر هاتين الركيزتين. وحتى تتغير آراء هاتين المؤسستين في شكل وطبيعة سورية القادمة سيبقى الأسد الورقة الرابحة على المستوى الدولي والإقليمي.. أما خيار التدخل الخارجي، فقد تم إحالته إلى المشاريع الدولية الفاشلة، وكُتب للأسد عمر جديد.