على وقع الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار، واستمرار تردّي الأوضاع المعيشية، وغياب أي حلول ممكنة، عادت تحركات المحتجين إلى الشارع في أكثر من منطقة من الشمال إلى الجنوب، تجمعهم صرخة وجع وقهر واحدة. في حين شهدت محلات الأغذية إقبالاً كثيفاً من المواطنين متأثرين بالأخبار عن ارتفاع سعر صرف الدولار ودخول البلاد عقبة المجهول.
وتفجرت التظاهرات في مختلف المدن اللبنانية، احتجاجا على ارتفاع الأسعار، مع بلوغ الدولار الأمريكي سقف 7 آلاف ليرة لبنانية، في تحول لافت على مشهدية الحراك الثوري الذي عاد يملأ ساحات وشوارع العاصمة بيروت، في موجة انهيار هي الأحدث بفعل ارتدادات سلبية للأزمة السياسية وبفعل تأثير أنشطة حزب الله الشريك في الائتلاف الحكومي والتي انعكست سلبا على الوضع العام في لبنان اقتصاديا وسياسيا.
ويعيش لبنان حالة من الغليان ترجمتها الاحتجاجات الشعبية فيما عمدت منظمات وجمعيات إلى مساعدة الطبقات الفقيرة الأكثر تضررا من الأزمة.
وامتدت التظاهرات إلى عمق الضاحية الجنوبية احتجاجا على الوضع المعيشي لأول مرة منذ سنوات، وإلى الجبل حيث قطعت طريق الشام بالإطارات المشتعلة.
واقتحم محتجون الباحة الخارجية لفرع مصرف لبنان وخلعوا أبوابه الخارجية، لكن قوى الأمن منعتهم من دخوله. وفي النبطية قطع المحتجون الطريق أمام سراي الحكومة في المدينة احتجاجا على التلاعب بسعر الدولار وفي البقاع الأوسط لعبت إطارات المطاط المشتعلة وظيفتها في قطع الطرق.
وإزاء هذه التطورات ألغى رئيس الحكومة حسان دياب مواعيده (الجمعة)، وأعلن مكتبه الإعلامي عن دعوته مجلس الوزراء إلى جلسة طارئة عند التاسعة والنصف صباحا على أن تستكمل عند الثالثة من بعد الظهر في القصر الجمهوري.
وينقاد لبنان بسرعة نحو الانهيار في ظل تهاوي متسارع للعملة وسط تردد المانحين الدوليين في نجدة الاقتصاد اللبناني المتداعي؛ حيث تقرن القوى الكبرى تقديم يد المساعدة بالقيام بإصلاحات جذرية تجد حكومة حسان دياب صعوبة في تمريرها.
ويعقّد ارتباط حكومة حسان دياب بشكل مباشر بحزب الله الآمال بانفراجة قريبة للأوضاع الاقتصادية، ما يجعل مهمة دياب تكاد تكون مستحيلة للخروج من أسوأ أزمة مالية تواجه البلاد وسط تواصل انهيار العملة المحلية.
ويجد دياب نفسه أمام تحدي إيجاد توازن بين مطالب المانحين الدوليين وإكراهات المشهد السياسي الداخلي الذي يفرض التعامل مع حزب الله كطرف حكومي، تصنفه الولايات المتحدة ودول الخليج كمنظمة إرهابية.
وتتهم قوى سياسية لبنانية حزب الله بجر لبنان إلى عزلة إقليمية ودولية والتسبب في تراجع حاد للدعم المالي الخليجي للدولة اللبنانية بسبب هيمنة الجماعة الشيعية وتدخلاتها الخارجية في حربي اليمن وسوريا.
ويشير هؤلاء إلى أن عقدة لبنان وعلله في جزء كبير منها ناجمة عن دور حزب الله وارتهانه لسيادة لبنان وانحرافه بالدولة عن مبدأ النأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية، ما أدخل البلاد في حروب إقليمية بالوكالة هي في غنى عنها.
وفاقم تدخل حزب الله في الحرب السورية دعما لنظام الرئيس بشار الأسد متاهات الاقتصاد اللبناني، فيما تترقب السلطات اللبنانية بحذر تداعيات عقوبات «قانون قيصر» الذي أقرته الولايات المتحدة ضد النظام السوري وحلفائه في المنطقة.
وينتاب القلق المسؤولين في لبنان، خشية أن يؤثر القانون على المفاوضات التي تجريها حكومة حسان دياب مع صندوق النقد الدولي، لا سيّما أن هناك معابر غير شرعيّة يسيطر عليها حزب الله مع سوريا ترى الولايات المتحدة أنها تصيب الجماعة الشيعية الموالية لإيران في الصميم.
ويتسارع انهيار الاقتصاد اللبناني مع استمرار تحليق الدولار مقابل تهاوي الليرة اللبنانية رغم محاولات المصرف المركزي ضبط الوضع النقدي وإحداث نوع من التوازن، ما يعكس تخبط حكومة حسان دياب وعدم قدرتها على استيعاب الوضع خاصة بعد تداعيات فايروس كورونا التي عمقت المتاعب الاقتصادية.
وسجّلت الليرة اللبنانية انخفاضاً غير مسبوق في السوق السوداء أمام الدولار الخميس، لامس عتبة الخمسة آلاف، رغم تحديد سعري المبيع والشراء رسمياً، في بلد يشهد ارتفاعاً جنونياً في أسعار السلع.
وفاقمت أزمة كورونا معاناة الاقتصاد اللبناني الهش بعد إغلاق العديد من الشركات الشهر الماضي للحد من تفشي الفايروس الذي أصاب أكثر من 640 شخصاً وأودى بحياة 20 في البلد المتوسطي الصغير، ما أدى إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمالية في لبنان.
ولا تزال الحكومة عاجزة عن احتواء الأزمة وتعلّق آمالها على صندوق النقد في محاولة للحصول على أكثر من 20 مليار دولار بينها 11 مليارا أقرها مؤتمر سيدر في باريس عام 2018 مشترطاً إجراء إصلاحات لم تبصر النور.