إحدى جلسات الكونجرس الاستماع في قانون قيصر.
إحدى جلسات الكونجرس الاستماع في قانون قيصر.
-A +A
فهيم الحامد (جدة) Falhamid2@
فور بدء تنفيذ قانون قيصر؛ بدأت العواصم الكبرى في نفض الغبار عن الملف السوري الذي تم تثليجه ووضعه في الأدراج؛ لمعرفة حجم الخسائر والأرباح التي سيكون من نصيبها نتيجة تنفيذ القانون الذي تتجاوز صلاحيته الحدود السورية؛ ليصل للمعاقل الداعمة للنظام السوري في المحيط الإقليمي والعالمي، وسيؤدي إلى زيادة العزلة المالية والاقتصادية والسياسية لبشار الأسد وحلفائه، بغية إجبارهم على القبول بالحل السياسي للأزمة السورية على أساس قرار مجلس الأمن 2254، ومنعه من الانتشاء بحدوث نصر عسكري له خلال العشر السنوات الماضية التي دمر فيها سورية وحولها لبؤرة إرهابية عالمية..

والسؤال الأهم بعيداً عن التداعيات الاقتصادية للقانون؛ الذي يتم تداوله في أروقة العواصم الكبرى؛ هل سيؤدي قانون قيصر لتغيير النظام كاملاً أم تغيير سلوكه، وإرغامه للدخول في حل سياسي؛ رغم وجود قناعة لدى بعض العواصم الكبرى أن تغيير سلوك النظام تم إعطاؤها الوقت الكافي، حيث استمر في ارتكاب جرائم حـرب خصوصاً مجزرة الكيماوي عام 2013، التي كانت فرصة تاريخية لاقتلاعه، إلا أن حسابات الحقل والبيدر كانت مختلفة في ذلك الوقت.


وبحسب المعطيات الجيوستراتيجية التي تمخضت عن السنوات الماضية؛ فإن اجتثاث نظام الأسد لم يكن مطروحاً بقوة خلال السنوات الماضية، رغم دمويته وخطورته على الأمن الإقليمي؛ كون المعطيات الأمنية الإستراتيجية للقوى الكبرى لم تر في ذلك الأمر بزعم التوازنات بين اجتثاث نظام الأسد واحتمال سيطرة قوى إرهابية بغطاء سياسي مقاليد الحكم، وهو ما يمثل تهديداً أكثر للقوى العالمية، وإلا لكانت عملية «كوماندوز» من القوات الخاصة الأمريكية مدعوماً بقصف جوي كانت قادرة على إخراج «بشار الأسد»، ويحافظ على المعادلات القائمة ويضمن مصالح ذات الأطراف المعنية بالشأن في سورية؛ وكون نظام الأسد كان متعاوناً مع القوى الكبرى المضادة للقوى الأمريكية نجح الأسد في صناعة ما يسمى بالإرهاب في سورية، ومن ثم محاولته تحويل مسار الثورة السورية لاجتثاث النظام إلى حرب ضد الإرهاب، انضوت معه بعض الدول الخارجية ودخل النظام الإيراني كرأس حربة في سورية بزعم مكافحة الإرهاب وتمدد إيران في سورية حتى أصبحت دمشق عاصمة لإيران التي انتبهت مؤخراً لتداعيات قانون قيصر وبدأت في تنفيذ انسحاب جزئي لقواتها من سورية تحت غطاء إعادة التموضع، حيث تسعى إيران المنكوبة اقتصادياً؛ لتحجيم دورها ودور أذرعها في سورية لتتهيأ لمرحلة ما بعد قانون قيصر واستباق أي ترتيبات لمرحلة ما بعد بشار في خضوع النظام السوري للعملية السياسية والعملية الانتقالية، وهذا يعني حتماً خروج إيران من سورية طوعاً أو كرهاً. وبحسب المصادر الأمريكية فإن صناع القرار الأمريكيين وضعوا لأول مرة إستراتيجية بطيّ صفحة الأسد، وهم يرون أن أي عملية سياسية لا يمكن أن تنجح طالماً أن الأسد جزء فيها، وهذا يعني قلب صفحة الأسد. وهناك سؤال يعتبر أمّ الأسئلة، ما هو مستقبل الدور الروسي في مرحلة ما بعد القانون كون موسكو تعتبر اللاعب الأكبر في سورية ولها نصيب الأسد من كعكة سورية اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً؛ إذ أسهمت روسيا بشكل فعال بمنع سقوط حليفها بشار الأسد، ومكنته من استعادة السيطرة على مساحات واسعة من سورية. وبحسب دراسات وتقارير، فإن معدل النفقات العسكرية الروسية في سورية بين 5 إلى 7 مليارات دولار؛ وحصلت روسيا على عقود طويلة الأجل في مجالي النفط والغاز وقاعدة عسكرية وحضور سياسي وعسكري مؤثر في سورية. ومن المؤكد أن قانون قيصر الأمريكي سيكون انتكاسة للآمال الروسية في تحقيق انتعاش اقتصادي في سورية، بعد حالة التقدم الميداني التي حققها النظام بمساعدة من موسكو وطهران كون القانون يفرض عقوبات اقتصادية على كل شخص أو شركة يثبت تعامله أو تعاملها مع النظام في مجالات البترول والبناء والمجالات العسكرية. ومن شأن القانون أن يؤدي إلى انسحاب شركات روسية متخصصة في الطاقة، وهو ما ستتأثر البلاد من تبعاته، خاصة وأن سورية تستورد نحو 60% من احتياجاتها المحلية للغاز. وبعد أكثر من 9 سنوات على الثورة السورية، بدأ هيكل النظام السوري يتداعى، وكأن دعوات أمهات أطفال سورية بدأت تُستجاب. فمع بدء تطبيق قانون قيصر، يزداد التصدع داخل النظام بين من يسعى للنفاذ بجلده، ومن يقدم نفسه في إطار جديد طامحاً بقيادة الحقبة المقبلة. لقد بدأت حديقة خامنئي الخلفية تحترق بعد أن أعاد الشاهد الملك بوصلة ملف النظام السوري إلى الواجهة، إنه زلزال قيصر.