ضاقت قاعة خصصتها وزارة العدل السودانية اليوم (الثلاثاء)، بمئات المحامين المنتمين إلى جماعة الإخوان مع 28 متهما في القفص، يمثلون التنظيم الذي انقلب على السلطة الشرعية عام 1989، في تحرك قاده الراحل حسن الترابي بتخطيط مع ضباط في الجيش السوداني ينتمون لتنظيم «الحركة الإسلامية».
وسادت حالة من الرضا في الأوساط السودانية حين احتشد القفص بعمر البشير ورفاقه الانقلابيين من مدنيين وعسكريين الذين حكموا بلاد النيلين لنحو 30 عاما، أشعلوا فيها حروبا في الشرق والغرب والجنوب راح ضحيتها عشرات الآلاف من السودانيين الذين دفعوا حياتهم ثمنا للأيديولوجيا الإخوانية التي شطرت بلد المليون ميل مربع إلى نصفين تحت شعار «المشروع الحضاري»!
قبيل بدء المحاكمة التي جرت وقائعها الأولية بمقر معهد القضاء في ضاحية اركويت جنوب الخرطوم، حشد التنظيم عددا من أنصاره في محيط المحكمة للهتاف ضد المحكمة ومناصرة المتهمين، وتولت قناة «الجزيرة» كعادتها تغطية مرافعات لمحامي التنظيم وأنصاره تحدثوا من خارج القاعة ووصفوا ما يجري بأنه محاكمة سياسية، في الوقت الذي حمل الكثيرون بشدة على التلفزيون السوداني الرسمي لتركه مساحة التغطية الخارجية لقناة الجزيرة التي نجحت في بث رؤيتها المؤيدة للانقلابيين.
ومضى العتب أيضا إلى عدسات الفضائية الرسمية التي فشلت في نقل صورة مقربة للمتهمين داخل القفص، واكتفت بإدارة كاميراتها على وجوه عشرات المحامين وأقارب المتهمين ورجال الشرطة، وأظهرت لقطة خاطفة البشير وأعوانه الانقلابيين بكمامات مضادة لفايروس كورونا، غير أن جلوسهم متقاربين في القفص هزم «التباعد» المطلوب، الأمر الذي تنبهت له المحكمة وطلبت تباعدهم في الجلسات القادمة، وهو أول تباعد طبيعي مرتقب بعد 30 عاما من التقارب الأيديولوجي والتنظيمي والحركي بين مدنيين وعسكريين خططوا بليل للإطاحة بنظام شرعي منتخب بخدعة حاكها المرشد الراحل حسن الترابي الذي ذهب في صبيحة الانقلاب الماكر إلى السجن حبيسا، فيما مضى البشير إلى القصر رئيسا!
واعتبر قانونيون حشد تنظيم حركة الإسلام السياسي لأكثر من 190 محاميا للدفاع عن 28 متهما بتدبير الانقلاب على السلطة الشرعية التي كان يرأسها الصادق المهدي محاولة من التنظيم لتشتيت انتباه المحكمة وتطويل مجرياتها وإجراءاتها حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا، لكن القاضي استطاع إدارة الجلسة الأولى بامتياز وقرر مخاطبة الجهات العدلية السودانية للبحث عن قاعة بديلة تسع المتهمين ومحامييهم وأنصارهم وعائلاتهم، كما رفض طلبا قدمته هيئة الدفاع للإفراج عن 3 من أقطاب التنظيم بحجة الظروف الصحية، وقرر القاضي إبقاءهم في الحبس التحفظي على أن تتولى الجهة الحابسة متابعة أوضاعهم الصحية.
يبدو أن محاكمة مدبري انقلاب الإخوان المسلمين في السودان تجاوزت فكرة مقاضاة أفراد إلى محاكمة تنظيم سياسي عاث فسادا وامتدت مؤامراته إلى كل مكان عبر البحر والنهر والمحيط!