لم ينجُ أحد في بيروت، الكل سقط بين قتيل وجريح ومتضرر، حتى مكتب «عكاظ» في بيروت لم يسلم، تحطم زجاجه وخلعت أبوابه وتناثرت أوراقه.
المتجول في شوارع بيروت يدرك ويلمس في كل زقاق وزاوية أن الموت مرّ من هنا.
هو زلزال بل أكثر، هي قنبلة ذرية كقنبلة هيروشيما بالصوت والشكل وما خلفته من دمار.
الموت في كل زاوية والجرحى مرميون أمام أبواب المستشفيات لا أسرة لهم ولا أطباء قادرون على استيعاب هول الكارثة.
أب يفتش عن ابنته، «إنها هناك تعمل ولا أعرف عنها شيئاً، أعيدوها لي».
امرأة تبحث عن زوجها «خرج كي يحضر طعاماً للأولاد وهاتفه مقفل ولا أعرف مصيره».
إهراءات القمح تهدمت، لا رغيف خبز في الأيام المقبلة، شركة الكهرباء دمرت، فلا بأس بالأصل، ليس لدى اللبنانيين كهرباء.
ما بقي من جنى العمر بعد أن سرقت حسابات المصارف، ضاع في الانفجار، من منزل وسيارة ودكان يعتاش منه الفقراء.
بيروت بالرمق الأخير تنازع، مبنى جريدة النهار بات مدمراً، وتمثال المغترب اللبناني احترق بالنيران، فلا مغترب ولا مقيم بعد اليوم.
إنه الموت يستوطن مدينة اسمها بيروت، كانت تبث الحياة لكل الناس، لكل اللبنانيين، لكل العرب والأعاجم.
هيروشيما استنسخت في بيروت لتكتب كما يبدو الفصل الأخير من حكاية شعب قاوم وقاوم قاوم وها هو الآن يرفع يديه مستسلماً.
بيروت مدينة عريقة للمستقبل، أرادها رفيق الحريري فأحرقوه وقتلوه عام 2005 وفي 2020 وقبل حكم المحكمة الدولية بأيام قتلوا رفيق الحريري مجدداً، أحرقوا مدينته التي أحبها وعشقها.