بعدما أمعنت في رفض التهدئة، وأدارت ظهرها لها أكثر من مرة، وكان آخرها في أواخر شهر يوليو الماضي عندما اشترطت حكومة الوفاق «غير الشرعية» برئاسة فايز السراج في طرابلس، إعادة تموضع قوات الجيش الوطني كشرط لإبرام هدنة دائمة في سرت، عادت هذه الحكومة التي تدير مفاصلها المليشيات والمرتزقة، لتعلن اليوم (الجمعة) وقفاً لإطلاق النار في كل الأراضي الليبية، مرتبطاً بدعوة لانتخابات رئاسية وبرلمانية في مارس القادم.
هذا الإعلان المفاجئ، دفع مراقبين سياسيين إلى التساؤل: هل هذه المبادرة مجرد مناورة لكسب الوقت تقف وراءها «أنقرة والدوحة»، أم أنها رضوخ من «الوفاق» بعددما بدأت المشاكل والخلافات تنخر بين مليشياتها ومرتزقتها على تقاسم الأدوار؟.
ويعتقد هؤلاء أن المرحلة القادمة ستكشف طبيعة وأبعاد هذا التحول الذي بات غير منطقي في مواقف الحكومة التي تحولت إلى أداة في يد نظامي «أردوغان والحمدين من الخارج» و«دمية» في أيدي جماعة «الإخوان» والتنظيمات الإرهابية في الداخل.
ثمة من يرون أيضاً أن المشهد السياسي والعسكري في ليبيا ربما يكون قد انفتح على مرحلة جديدة، يتم بموجبها وقف جميع العمليات العسكرية نتيجة ضغوط إقليمية ودولية لوقف القتال وإتاحة الفرصة لإحياء المسار السياسي وتوحيد جهود البلاد التي فتكت بها الحرب الأهلية.
وفيما رحبت البعثة الأممية بتلك الخطوة المهمة، فإن إعلان السراج تضمن أن تصبح منطقتا «سرت والجفرة» منزوعتي السلاح، وهو ما يمكن أن يكون مثار رفض من الجيش الليبي، الذي تسلم قائده رسالة من الرئيس المصري أكدت رفض القاهرة أن تكون سرت والجفرة منطقتين معزولتين من السلاح ومن الجيش. كما تضمنت الرسالة فتح خط اتصال مباشر خلال الأيام القادمة بين القاهرة والجيش من أجل التنسيق بشكل كامل بين الطرفين.
لكن هل يمكن أن تكون هنالك «صفقة» لنزع سلاح المنطقتين مقابل إلغاء «الوفاق» جميع الاتفاقيات التي وقعتها مع تركيا وقطر؟.
هناك مؤشر آخر لايمكن إغفاله في التغير الحاصل في مواقف «وفاق السراج» وهو الزيارة التي قام بها مدير المخابرات الحربية المصرية اللواء خالد مجاور إلى ليبيا قبل أيام ولقائه قائد الجيش الليبي خليفة حفتر، والتي أثارت العديد من التساؤلات، خصوصاً أنها جاءت بعد ساعات من زيارة وزيري الدفاع لتركيا وقطر لطرابلس بهدف التخطيط للهجوم على سرت، وهو ما كشف عنه المتحدث باسم القوات المسلحة الليبية أحمد المسماري، عندما اتهم تركيا بأنها تحشد بأموال قطرية لخوض معركة سرت، كاشفاً أن المدينة الإستراتيجية هي الملف الذي يتم التنسيق فيه حالياً مع القيادة في مصر.
وهنا يثور التساؤل حول طبيعة التغير المفاجئ في موقف «الوفاق» خلال هذه الأيام القليلة، خصوصاً أنه منذ أشهر تشترط الوفاق وأنقرة السيطرة على سرت والجفرة من أجل وقف إطلاق النار الذي دعت إليه جهات دولية عدة.
ووفقاً للمعلومات المتداولة، فإن التهديدات الأوروبية بمعاقبة تركيا، والتطور اللافت في الموقف المصري عقب الإعلان عن أن «سرت والجفرة» خط أحمر ممنوع الاقتراب منه، أحدثا زلزالاً هائلاً في مواقف مختلف الأطراف، خصوصاً الموقف التركي باعتباره الداعم الأكبر للسراج ومليشياته.