لعبت المملكة العربية السعودية على مدار تاريخها دورًا قياديًا في تحصين مجلس التعاون الخليجي ضد أية اختراقات والترفّع به عن أية مهاترات، وتجنيبه أعتى الأزمات التي تربصت بأمنه وهددت دوله واستهدفت تماسك وحدته.
وإيماناً من المملكة بأن الأمن الخليجي كلٌ لا يتجزأ، فقد حافظت ـ وبالشواهد التاريخية ـ على أمن كل دوله ودافعت عن قضاياها، واصطفت خلف مواقفها في المحافل الإقليمية والدولية.
ومر مجلس التعاون الخليجي على مدار العقود الأربعة الماضية بالعديد من التحديات التي فاقت في تبعاتها الأزمة الحالية الطارئة، ومع ذلك، عبر المجلس منها بقيادة المملكة وتعاون شقيقاتها إلى برّ الأمان.
وفيما يتعلق بالأزمة الطارئة مع قطر، فالسعودية ومنذ اليوم الأول لتجدد الأزمة في العام 2017 وقبلها في العام 2013، وهي تؤمن بأهمية الحل السياسي، ليقينها بأنه السبيل لتجاوز كل المشكلات وتلافي كل التحديات والتغلب على كافة المشاغل الأمنية التي تهدد دول المجلس.
وبالنظر إلى مسارعة الدول الإقليمية في محاولة استثمار الأزمة الطارئة الحالية لصالحها، فإن ذلك يكشف بكل وضوح أن المستفيد الأكبر من الخلاف الحالي هم أعداء الخليج والعرب والمنطقة، ممن يضمرون الشر لها ويسعون لتنفيذ مخططاتهم التوسعية.
ومقابل حالة الاصطفاف الإقليمية الناشئة عن الأزمة الحالية في الخليج، إلا أن جهود الوساطة الكويتية والدعم الذي لقيته من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، كانت ولا تزال بارقة الأمل التي يُترقب أن تكلل بكتابة نهاية سعيدة لهذه الأزمة تُعيد لمجلس التعاون قوته وتماسكه ودوره المحوري البارز في المنطقة.
وعلى مدار العقود الماضية، ظلت علاقة مجلس التعاون الخليجي بجمهورية مصر العربية حجر الزاوية في أمن واستقرار المنطقة، وهو ما يجعل من تمتين هذه العلاقة أمراً بالغ الأهمية لحماية الأمن القومي العربي وتحقيق المصالح العليا المشتركة.
ومجلس التعاون شأنه شأن أي منظمة متعددة الأطراف، والتباين في وجهات النظر ونشوء بعض الخلافات بين الحين والآخر هو أمر طبيعي، لا يقلل من شأن ما يمثله المجلس من وحدة متفردة قد لا يكون لها مثيل عبر تاريخ المنطقة من حيث تشابه النسيج الشعبي ووحدة الدين واللغة، وهو ما يجعل الحفاظ عليه خيارا إستراتيجيا ليس للسعودية فقط بل لجميع دوله.
ومهما بلغت حدة خلافات الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي، إلا أن أواصر الوحدة والمصير المشترك التي أرسى دعائمها الآباء المؤسسون لهذا الصرح وسارت عليها القيادات المتعاقبة من بعدهم، تجعل من المجلس مظلة جامعة لتحقيق أمن دوله والمنطقة، ومجابهة التحديات الإقليمية التي تحلم بتفكيكه وانهياره.
لقد كان للمملكة العربية السعودية الدور الأكبر في دعم منظومة مجلس التعاون الخليجي ومسيرة العمل المشترك، وقد تجلّى ذلك في العديد من الإسهامات والمشاريع الإستراتيجية، ومن أهمها رؤية الملك سلمان في العام 2015 الرامية لتحقيق التكامل المنشود أمنيًا وسياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا.