مرة جديدة تكون مدينة طرابلس عاصمة الشمال اللبناني والحاضنة السنية الأكبر في لبنان، ضحية صراعات السياسيين والأمنيين. فالمدينة التي تلقب بـ«الفيحاء» و«مدينة العلم والعلماء» لطالما كانت صندوق بريد للخارج والداخل خلال عملية تبادل الرسائل الساخنة بانتظار التسويات الكبرى.
بالأمس وبينما كان سكان المدينة يتظاهرون جوعاً وفقراً وبؤساً في ساحات المدينة، كان السياسيون ومعهم بعض الأمنيين يعبثون بهوية المدينة، فإذا بحرائق مفتعلة تندلع دون سابق إنذار ودون مقدمات في المحاكم الشرعية التابعة للمدينة، ومن ثمة في مبنى بلديتها الأثري والذي يعود بناؤه إلى العام 1800م، لتنام المدينة محروقة التراث والقلب، فيما السياسيون يتقاذفون الاتهامات.
دوائر القصر الجمهوري تتهم الرئيس المكلف سعد الحريري بتحريك الشارع للضغط على الرئيس ميشال عون في ملف تشكيل الحكومة، فيما الرئيس الحريري يتساءل عن سبب تأخر الجيش اللبناني في مساندة قوى الأمن الداخلي في حماية الممتلكات الخاصة والعامة.
قبل الحريق وبعده، من المؤكد أن السياسيين بشتى مشاربهم لطالما استعملوا المدينة لأجل أهدافهم الخاصة في أيام الانتخابات، وتناسوها باقي الأيام عبر كل السنوات. ولطالما كان الأمنيون ينظرون إليها كساحة تحقق آمالهم وطموحاتهم في الترقية وكسب المكافآت، تارة بفبركة الشبكات الإرهابية من شبانها العاطلين عن العمل، وتارة أخرى بإشعال الاشتباكات المسلحة بين أحيائها الفقيرة.
طرابلس الضائعة بين أن تكون طرابلس الشام أو طرابلس لبنان، مازالت عملية تفجير مسجدي السلام والتقوى حاضرة في وجدان أهل المدينة، ولسان حالهم يقول: «لماذا دماء أولادنا رخيصة إلى هذا الحد؟».
طرابلس الفقيرة، فيها العدد الأكبر من الأثرياء في لبنان، فربعها شوارع فخمة يسكنها هؤلاء الأثرياء وربع آخر ساحات تاريخية شاهدة على مر السنوات، أما النصف المبتقي في التبانة والقبة وأبو سمراء والبداوي والزاهرية فتنتشر أكواخ ومنازل يسكنها الفقراء، حتى أن فيها حياً يلقب بحي التنك ومقبرة تسمى مقبرة الغرباء.
طرابلس تلك المدينة التي تطعم لبنان ألذ الحلويات لم يُطعمها المسؤولون السياسيون إلا العلقم ومر الذكريات.