مع التقدم الذي تحرزه طالبان في أفغانستان وسقوط ولاية تلو الأخرى، يبدو أن الحركة باتجاه إحكام سيطرتها على معظم المعابر الحدودية البرية مع الدول المجاورة، إذ سيطرت على المعبر الحدودي في منطقة سبين بولداك وشامان التي تعتبر أحد المعابر الرئيسية بين قندهار الأفغانية وإقليم بلوشستان غربي باكستان، وأهم المعابر من الناحية الإستراتيجية، وتمر منه معظم مواد الدعم اللوجستي الخاصة بالقوات الدولية العاملة في أفغانستان خلال الأعوام الـ20 الماضية إضافة الى السيطرة على بلدة وش الأفغانية الحدودية جنوب مدينة قندهار ومدينة إسلام قلعة في محافظة هرات الشمالية الغربية، وهي بوابة رئيسية إلى إيران ووتورغوندي الواقعة على الحدود مع تركمانستان. وبحسب الخبراء، فإن طالبان تتموضع بشكل استراتيجي عسكري وفق متغيرات المشهد والمستقبل الجيوسياسي لأفغانستان وبعد سيطرتها أمس على مقاطعة بدخشان الحدودية الصينية التي تعتبر المعبر الحدودي قبالة إقليم شينجيانغ الصيني ذي الأغلبية الأويغورية المسلمة، تكون طالبان فرضت على الصين واقعا جديدا على الارض، إذ تخشى بكين من سيطرة طالبان عليه وتأثير ذلك في زيادة وتيرة العنف وتسرب الحركات المتطرفة إلى داخل أراضيها.وتسعى بكين منذ فترة لأن تخلق من أفغانستان ممرا آمنا لمشاريعها الاستراتيجية “طريق الحرير”، إذ تشكل أفغانستان ممرا إجباريا للصين نحو الدول الإسلامية في غرب آسيا، هذا لو رغبت في تجاوز الهند، منافستها الإقليمية. وتعتبر ولاية بدخشان من الولايات الـ34 وتقع في الشمال الشرقي من أفغانستان ومعظم سكان الولاية من الطاجيك يتحدثون الدارية (قريبة من الفارسية) ومن أصول آرية، ويحافظ أهل بدخشان علی القيم الإسلامية کثيرا ومعظمهم مثقفون. وينحدر برهان الدين رباني الذي حكم أفغانستان لفترة وجيزة من هذا الإقليم. وولاية بدخشان متاخمة لحدود الصين وباكستان وطاجيكستان. وكانت الحركة أخيرا سيطرت على ثلاث مدن كبيرة في أفغانستان، خصوصا مدينة قندوز الاستراتيجية في الشمال، وأصبحت الحركة قادرة على التأثير في مستقبل أفغانستان.وتكتسب مدينة قندوز أهمية كبيرة، فالسيطرة عليها تعني أن الحركة تتحكم على ثلاثة طرق بشكل حتمي، ولكل منها تأثيراته الداخلية والخارجية الهائلة. ومن الواضح ان هناك صورة قاتمة لـ”المؤسسات الديمقراطية المهتزة في أفغانستان”، بمجرد انسحاب الولايات المتحدة. ويبقى أكبر الهواجس والمخاوف أن تعود أفغانستان لتصبح مرة أخرى ساحة تدريب للإرهاب لكن مسؤولي طالبان يؤكدون على الالتزام التام بالاتفاق المبرم، وأن يمنعوا أي جماعة من استخدام الأراضي الأفغانية كقاعدة لشن هجمات ضد الولايات المتحدة وحلفائها. يبدو أن حركة طالبان استطاعت أن تقنع الصين بحيادها تجاه المسائل التي تقلقها في العمق الآسيوي، لذلك فإن سيطرتها على “ممر واخان” في ولاية بدخشان ربما تدفع بالصين إلى تمتين تعاونها مع روسيا للسيطرة الأمنية على شمال أفغانستان.