فتاة أفغانية تباشر عملها في مطار كابل. (متداولة)
فتاة أفغانية تباشر عملها في مطار كابل. (متداولة)
-A +A
كتب: فهيم الحامد Falhamid2@
في بلد مثل أفغانستان، كانت خاضعة عسكريا للولايات المتحدة منذ ٢٠ عاما، فإن أجهزة الاستخبارات لا تمارس جهدا استخباراتيا وتجسسيا فحسب بقدر سعيها لتحليل وتقييم الكم الهائل من المعطيات والمعلومات المتوفرة بين يديها، وهي غالبا ما تكون مؤلفة من أرقام وإحصاءات مصنفة متعددة. ولأجل ذلك ظنت الاستخبارات الأمريكية استحالة سقوط 300 ألف جندي ورجل أمن أفغاني أمام 60 ألف مقاتل من طالبان بهذه السرعة.ومن الواضح أن استخبارات الدول المجاورة لأفغانستان التي لا يوجد لها موطئ قدم في داخل العمق الأفغاني والأخرى المتغلغلة ترغب في أن تكون البديلة للولايات المتحدة في ظل الفراغ الأمني الذي تركه الانسحاب الأمريكي في أفغانستان.. ففي الوقت الذي تحركت فيه الهند مع أمريكا وبريطانيا حدث حراك استخباراتي من قبل دول الجوار قادته باكستان مع روسيا والصين وإيران ودول آسيا الوسطى، وهي الدول المحورية والمعنية بالشأن الأفغاني الأمني، من خلال الاجتماعات الاستباقية التي عقدت في الباكستان بمشاركة رؤساء الاستخبارات لرسم معالم الخريطة الجيوسياسية في مرحلة ما بعد الانسحاب والتعامل مع الهاجس الأمني وتخوفات هذه الدول من إعادة تموضع داعش والقاعدة في أفغانستان. ويعد هذا أحدث مسعى من قبل باكستان، التي استضافت خلال الفترة الماضية اجتماعات لوزراء خارجية الدول الست المجاورة لأفغانستان واجتماعات لمبعوثيها الخاصين، لتطوير إستراتيجية إقليمية مشتركة حول التعامل مع التحديات الناجمة عن الأحداث التي تتكشف في الدولة التي دمرتها الحروب، ويخشى المراقبون أن تدخل أفغانستان في حروب رمادية مستقبلا. وكان رئيس الاستخبارات الباكستانية الجنرال فيض حميد قد زار العاصمة الأفغانية كابل في الرابع من الشهر الحالي، وناقش مع قيادات «طالبان» ملفات محط الاهتمام المشترك، وذلك قبل إعلان «طالبان» عن حكومة تصريف الأعمال. ويؤكد الخبراء المعنيون بالشأن الأمني أن إسلام آباد حرصت من خلال هذا الاجتماع على تعزيز مفهوم تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الدول ذات المصداقية العالية خصوصا بعد تعرض الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية إما للتضليل، أو أن هذه الأخيرة لم تكن ذات مهنية وكفاءة مناسبة لتقدر الوضع داخل أفغانستان بشكل صحيح خصوصا أن المعلقين الأمريكيين رصدوا مجموعة التوجهات المتشابهة في تقييمات الاستخبارات الأمريكية بين أفغانستان والعراق، حيث فشل المشروع الأمريكي في كلتا الدولتين بسبب ذلك. وأكدت مصادر باكستانية لـ«عكاظ» أن إسلام آباد لديها معلومات بأن بعض القوى تعمل على تأجيج الصراعات داخل أفغانستان وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء لأفغانستان، وتعزيز نفوذها فيها والدخول في حروب بالوكالة.. لقد سئمت أفغانستان من البقاء ساحة لحروب الوكالة، لأجل المصالح والنفوذ بين القوى الكبرى والأطراف الإقليمية المعنية، من خلال المحليين والوكلاء.

واليوم، يحرص اللاعبون الدوليون والإقليميون لاستقطاع كعكة من أفغانستان بدرء الانخراط العسكري المباشر في المعترك الأفغاني ويباشرون دبلوماسيتهم الرمادية عبر التنسيق الحذر غير المباشر والمباشر غير المعلن مع طالبان بشأن مستقبل العلاقات خلال المرحلة المقبلة، بمنأى عن ضجيج الدبلوماسية ولهيب الإعلام، بغية مواجهة التهديدات القادمة من أفغانستان، وإرساء السلام فى أرجائها، حتى لا تتسلل أصداء اضطراباتها إلى دول الجوار الإقليمي. ويرجح خبراء فرضية الرهان الصيني، إذ لا تتوانى بكين المدركة لمخططات واشنطن الهادفة لمحاصرتها عن تنويع خياراتها في أفغانستان. ولم تتورع باكستان المتطلعة إلى الاستعانة بطالبان أفغانستان فى تأمين عمق إستراتيجى ضد التهديدات الهندية المنبعثة من استخدام دلهي لأفغانستان كنقطة انطلاق لزعزعة استقرار باكستان من خلال تمويل وتسليح الجماعات الانفصالية البلوشية وبعض فصائل «طالبان» الباكستانية، عن مساعدة حركة «طالبان» البشتونية، وفتح الباب أمام استثمار تقاربها مع الصين لكبح جماح الدور الهندي المتنامي في أفغانستان والإقليم برمته. في المقابل، تخشى دلهي أن تصبح أفغانستان تحت حكم «طالبان» شريكا لباكستان في استخدام الجماعات الإرهابية كرأس حربة ضدها، ونتيجة التحولات الإستراتيجية ظهرت دبلوماسية الباكستان بقوة في وضح النهار. ومن المؤكد، حسب مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، أن تفضي هيمنة طالبان على السلطة بأفغانستان إلى تعاظم مخاوف الهند بشأن الإرهاب العابر للحدود. وببالغ قلق، ترقب الهند شراكة الصين الراسخة مع باكستان، التى تتمتع بصلات وثيقة مع «طالبان»، بما يعزز فرص ونفوذ الصين فى أفغانستان. بيد أن الأمور تبقى مرتهنة بفرص تحقق السلام والاستقرار في أفغانستان، والتزام «طالبان» بتعهداتها المتعلقة بالنأي بنفسها عن مخططات الحركات بمنطقة «شينجيانغ» المضطربة داخل الصين.