من يراقب مسار العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب على روسيا للوهلة الأولى، يعتقد أنها عقوبات تسقط أكبر دولة وأنها كفيلة بردع طموحات الرئيس فلاديمير بوتين في حربه ضد أوكرانيا، وعلى الرغم من ذلك فإن الحرب تأخذ طابعا تصاعديا، بل إن كبار المحللين الإستراتيجيين رأوا أنها حرب عالمية ثالثة دون بيان.
لم تشهد روسيا في تاريخها عقوبات اقتصادية من هذا النوع، إذ تم تجميد أصول البنك المركزي، ما حد من قدرته على الوصول إلى 630 مليار دولار من احتياطاته، ومنعت بريطانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة المواطنين والشركات لديها من إجراء أي تعاملات مالية مع البنك المركزي أو وزارة المالية أو صندوق الثروة السيادي الروسي، وعزلت البنوك الروسية عن نظام «سويفت»، ما يعيق قدرة موسكو على الحصول على عائدات بيع نفطها وغازها.
ليس هذا فحسب، بل فرضت بريطانيا عقوبات أخرى من بينها استبعاد كبرى البنوك الروسية من النظام المالي البريطاني وتجميد أصول البنوك الروسية، وإصدار قوانين لمنع الشركات والحكومة الروسية من الحصول على أموال من الأسواق البريطانية، ووضع حد أقصى للمبالغ المالية التي يمكن للروس إيداعها في بنوك بريطانيا.
الاختبار الأكبر في الحرب الغربية ضد روسيا كان أعمق من ذلك، حين قررت جامعة «ميلانو بيكوكا» الإيطالية تأجيل دورة عن الكاتب الروسي الشهير فيدور دوستويفسكي، على خلفية غزو أوكرانيا، ولم يقتصر الأمر عند الأدب بل تداخلت السياسة بالرياضة، حين قرر «الفيفا» و«اليويفا» في خطوة غير مسبوقة استبعاد المنتخب الروسي لكرة القدم من تصفيات كأس العالم «قطر 2022» وتعليق مشاركة جميع المنتخبات والفرق الروسية في المسابقات الدولية.
لقد كان حجم الهجوم الغربي على روسيا واسعا اختلطت فيه السياسة والأدب والرياضة، في حرب مفتوحة، لكن هذه المشاهد الصارمة في العلاقة الغربية الروسية، تثير تساؤلات عن قبول الغرب التعددية، ومحاولاته حل النزاعات بالطرق السلمية.
إن حرب العراق التي شنتها الولايات المتحدة في عام 2003 تشبه إلى حد كبير -بل تتجاوز الحرب الروسية على أوكرانيا- لكن وعلى الرغم من الاعتراضات الدولية (روسيا – فرنسا – والصين) آنذاك تمت العملية العسكرية وأسقطت نظام صدام حسين رغم الضجيج، علماً بأن العراق لم يكن مجاورا لأمريكا كما هو الحال في الحالة الأوكرانية.
وما زالت الولايات المتحدة في العراق منذ ذلك التاريخ، ولا يزال العراق غارقا في الصراعات والخلافات السياسية، على الرغم من مرور عقدين من الزمن.
لم يكن العالم الغربي مستعدا لسماع مخاوف بوتين؛ الذي قال في خطاب الحرب في 24 فبراير الماضي إنه لم يعد يملك الخيارات، وإن الأمن القومي لا يمكن المساومة عليه، وانهارت القطبية التي كانت على وشك التشكل بين الولايات المتحدة وروسيا لقيادة العالم بعد أن كانت العنوان الرئيسي في الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييي.
وبعيدا عن الموقف من الحرب الروسية في أوكرانيا، إلا أن النظام العالمي الذي كان ينادي بالتعددية والقطبية ليس عالما منصفا على الإطلاق، هو عالم يحمل الشعارات في كف والعصا في كف آخر، وهو يتسلح بالشعارات البراقة لكنه غير مستعد للتشاركية.
هدف بوتين في سورية وليبيا والقرم وأوكرانيا كان على مبدأ إعادة التوازن وتوزيع النفوذ بشكل مشترك مع الولايات المتحدة بالدرجة الأولى، لكن أمريكا منذ الأزمة الليبية وتجاهل الموقف الروسي قررت المضي في تغيير بنية الدول، الأمر الذي رفضته روسيا من منطلق الأحادية، لذلك كان موقف بوتين شديد الصلابة في سورية، معتبرا أن تغيير الأنظمة وفق النظرة الغربية أمر يهدد النظام العالمي، لكن الولايات المتحدة لم تقبل بالتشاركية مع روسيا في قيادة العالم، ومارست سياسة أحادية مع الشريك الغربي وصلت أوجها في الحرب الروسية، حيث تلقت روسيا ضربة موجعة على يد الناتو بقيادة الولايات المتحدة بإغراق أوكرانيا بكل أنواع السلاح وفتح الأبواب للمتطوعين، في حرب مفتوحة ضد النفوذ الروسي على أبواب القارة الأوروبية القلقة من أي حركة لروسيا.
بكل تأكيد، فإن منطق الحرب لم يعد هو الحل من أجل تحقيق الصالح القومية والأمنية، وأن هذا العالم لم يعد يحتمل حروبا من هذا النوع، تؤثر على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، لكن في الوقت نفسه ليس صحيا أن تكون قيادة العالم متفردة وأن تكون هناك مقاييس مزدوجة، لذا لا بد من ابتكار توليفة سياسية جديدة تحكم العالم ليس على مبدأ القطبية المنهارة على الإطلاق ولكن على مبدأ التشاركية الدولية في إدارة العالم، فهناك دول بدأت تأخذ دورها الدولي والإقليمي وذات وزن اقتصادي ضخم، يجب أخذها في عين الاعتبار شرقا وغربا، وليس حصر إدارة العالم في الدائرة الضيقة مثل مجلس الأمن الذي لم يعد يلبي طموحات الدول.. لقد حان الوقت لنظام حكم عالمي جديد.
لم تشهد روسيا في تاريخها عقوبات اقتصادية من هذا النوع، إذ تم تجميد أصول البنك المركزي، ما حد من قدرته على الوصول إلى 630 مليار دولار من احتياطاته، ومنعت بريطانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة المواطنين والشركات لديها من إجراء أي تعاملات مالية مع البنك المركزي أو وزارة المالية أو صندوق الثروة السيادي الروسي، وعزلت البنوك الروسية عن نظام «سويفت»، ما يعيق قدرة موسكو على الحصول على عائدات بيع نفطها وغازها.
ليس هذا فحسب، بل فرضت بريطانيا عقوبات أخرى من بينها استبعاد كبرى البنوك الروسية من النظام المالي البريطاني وتجميد أصول البنوك الروسية، وإصدار قوانين لمنع الشركات والحكومة الروسية من الحصول على أموال من الأسواق البريطانية، ووضع حد أقصى للمبالغ المالية التي يمكن للروس إيداعها في بنوك بريطانيا.
الاختبار الأكبر في الحرب الغربية ضد روسيا كان أعمق من ذلك، حين قررت جامعة «ميلانو بيكوكا» الإيطالية تأجيل دورة عن الكاتب الروسي الشهير فيدور دوستويفسكي، على خلفية غزو أوكرانيا، ولم يقتصر الأمر عند الأدب بل تداخلت السياسة بالرياضة، حين قرر «الفيفا» و«اليويفا» في خطوة غير مسبوقة استبعاد المنتخب الروسي لكرة القدم من تصفيات كأس العالم «قطر 2022» وتعليق مشاركة جميع المنتخبات والفرق الروسية في المسابقات الدولية.
لقد كان حجم الهجوم الغربي على روسيا واسعا اختلطت فيه السياسة والأدب والرياضة، في حرب مفتوحة، لكن هذه المشاهد الصارمة في العلاقة الغربية الروسية، تثير تساؤلات عن قبول الغرب التعددية، ومحاولاته حل النزاعات بالطرق السلمية.
إن حرب العراق التي شنتها الولايات المتحدة في عام 2003 تشبه إلى حد كبير -بل تتجاوز الحرب الروسية على أوكرانيا- لكن وعلى الرغم من الاعتراضات الدولية (روسيا – فرنسا – والصين) آنذاك تمت العملية العسكرية وأسقطت نظام صدام حسين رغم الضجيج، علماً بأن العراق لم يكن مجاورا لأمريكا كما هو الحال في الحالة الأوكرانية.
وما زالت الولايات المتحدة في العراق منذ ذلك التاريخ، ولا يزال العراق غارقا في الصراعات والخلافات السياسية، على الرغم من مرور عقدين من الزمن.
لم يكن العالم الغربي مستعدا لسماع مخاوف بوتين؛ الذي قال في خطاب الحرب في 24 فبراير الماضي إنه لم يعد يملك الخيارات، وإن الأمن القومي لا يمكن المساومة عليه، وانهارت القطبية التي كانت على وشك التشكل بين الولايات المتحدة وروسيا لقيادة العالم بعد أن كانت العنوان الرئيسي في الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييي.
وبعيدا عن الموقف من الحرب الروسية في أوكرانيا، إلا أن النظام العالمي الذي كان ينادي بالتعددية والقطبية ليس عالما منصفا على الإطلاق، هو عالم يحمل الشعارات في كف والعصا في كف آخر، وهو يتسلح بالشعارات البراقة لكنه غير مستعد للتشاركية.
هدف بوتين في سورية وليبيا والقرم وأوكرانيا كان على مبدأ إعادة التوازن وتوزيع النفوذ بشكل مشترك مع الولايات المتحدة بالدرجة الأولى، لكن أمريكا منذ الأزمة الليبية وتجاهل الموقف الروسي قررت المضي في تغيير بنية الدول، الأمر الذي رفضته روسيا من منطلق الأحادية، لذلك كان موقف بوتين شديد الصلابة في سورية، معتبرا أن تغيير الأنظمة وفق النظرة الغربية أمر يهدد النظام العالمي، لكن الولايات المتحدة لم تقبل بالتشاركية مع روسيا في قيادة العالم، ومارست سياسة أحادية مع الشريك الغربي وصلت أوجها في الحرب الروسية، حيث تلقت روسيا ضربة موجعة على يد الناتو بقيادة الولايات المتحدة بإغراق أوكرانيا بكل أنواع السلاح وفتح الأبواب للمتطوعين، في حرب مفتوحة ضد النفوذ الروسي على أبواب القارة الأوروبية القلقة من أي حركة لروسيا.
بكل تأكيد، فإن منطق الحرب لم يعد هو الحل من أجل تحقيق الصالح القومية والأمنية، وأن هذا العالم لم يعد يحتمل حروبا من هذا النوع، تؤثر على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، لكن في الوقت نفسه ليس صحيا أن تكون قيادة العالم متفردة وأن تكون هناك مقاييس مزدوجة، لذا لا بد من ابتكار توليفة سياسية جديدة تحكم العالم ليس على مبدأ القطبية المنهارة على الإطلاق ولكن على مبدأ التشاركية الدولية في إدارة العالم، فهناك دول بدأت تأخذ دورها الدولي والإقليمي وذات وزن اقتصادي ضخم، يجب أخذها في عين الاعتبار شرقا وغربا، وليس حصر إدارة العالم في الدائرة الضيقة مثل مجلس الأمن الذي لم يعد يلبي طموحات الدول.. لقد حان الوقت لنظام حكم عالمي جديد.