قصّ اللبنانيون أجنحة حزب السلاح وقالوا له بكلمة واضحة ومختصرة «نعم للدولة لا للدويلة».
خرج نصر الله وحزبه من الانتخابات النيابية دون حلفاء بعد أن منّى النفس بتعزيز صفوفه وصفوف حلفائه بنائب من هنا وآخر من هناك، فإذا بالشعب اللبناني يُسقط رموزه الكبيرة في الجنوب بإسقاط أسعد حردان رمز الحروب الأهلية والعمليات الأمنية، مروراً بصيدا وجزين بإسقاط زياد أسود وأمل أبو زيد وميشال موسى، فيما صيدا أعادت الكرّة والحكاية فتصدّت لفلول فارس بعدما سبق لها عبر قلعتها البحرية إسقاط جيش فارس قبل مئات السنين.
أما بيروت المسجونة فرفضت أن تُوقّع على براءة ذمة للسجّان 30 ألف حارس لهذا السجن الكبير، تمكّن 100 ألف سجين من رفع الصوت وأن يُحرجوا السجّان، أن يقولوا له لا يمكنك اعتقال مدينتنا فبيروت لطالما كانت حرة ولطالما قال أبناؤها للمحتال «برا»، فيما في طرابلس أبت هذه المدينة، التي ما زالت تبحث عن أطفالها في عمق البحر، إلا أن تكون فيحاء، اتهموها بالإرهاب فنادت وأقسمت قائلة «والله لأرهبنكم في صندوق الاقتراع»، فصوّت الطرابلسيون كما لم يصوتوا من قبل. عاقبوا حلفاء حزب السلاح الصغير منهم والكبير، المرشح في الانتخابات والمنكفئ عنها، فكان صوت الشمال مزلزلاً ولو قيسَ وفقاً لميزان «ريختر» لتجاوز الست درجات.
من المؤكد أنّ المجلس النيابي المنتخب الجديد لن يحمل البلسم لأوجاع اللبنانيين وهمومهم، فما قد تحقق من انتصار في صندوق الاقتراع قادر على وقف تغوّل حزب السلاح وحلفائه، قادر على تأكيد تصميم اللبنانيين على المقاومة والصمود. قد ثبتت نتائج الانتخابات الهوية العربية للشعب اللبناني كما ينصّ دستوره، وأكّدت أنّ للاحتلال جولة إلا أنّ للحق ألف صولة وجولة.
هي خطوة أولى في الانطلاق نحو قيام الدولة اللبنانية، وجرس الإنذار لدويلة لا يمكن لها أن تستمر، فمنطق الحياة انتصر على منطق الموت في لبنان. قد تكون الخيارات الجديدة مصيبة في الكثير من الأسماء، ومن المؤكد أنها غير مصيبة في بعض الأسماء، إلا أنّ الأكيد أن اللبنانيين عاقبوا كلّ من سرق مالهم، أو اشترك بسرقة مالهم، أو سكت عن سرقة مقتنياتهم، وعندما يعاقب الإنسان من حرقة قلبه لا ينظر إلى نوعية العصا التي يحملها، بل ينظر إلى الظالم ويفكر فقط بكيفية الانتقام منه.
مجلس النواب الجديد لا هيمنة لحزب الله عليه، نتيجة لم يقدر عليها الزعيم ولا زبانية الزعيم. بل هي نتيجة صُنعت في لبنان تماماً كما يفتخر اللبنانيون بصناعتهم بهذه العبارة، هي نتيجة لا قدرة لأشباه الرجال عليها، فقط القادرون عليها هم الأحرار، هم اللبنانيون الذين قالوا لا في الصندوق لحزب السلاح بعيداً عن التسويات والتنازلات والمياعة السياسية.