أكد أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني موقف بلاده الثابت من تجنيب منطقة الخليج والشرق الأوسط عمومًا مخاطر التسلح النووي، والإقرار بحق دول المنطقة في استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية وفقاً للقواعد الدولية، مشددًا على ضرورة حل الخلافات في المنطقة بالحوار القائم على احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وتعزيز المصالح المشتركة.
وقال خلال مشاركته في قمة جدة للأمن والتنمية التي استضافتها المملكة في مدينة جدة: «إن المخاطر التي تحدق بمنطقة الشرق الأوسط في ظل الوضع الدولي المتوتر تتطلّب إيجاد حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية التي تشغل مكانة مركزية لدى شعوب عالمينا العربي والإسلامي وقوى السلام في العالم أجمع، لأنها قضية عادلة وذات حمولة رمزية كثيفة في الوقت ذاته، مضيفًا أنه سيظل أهم مصادر التوتر وعدم الاستقرار ما لم تتوقف إسرائيل عن ممارساتها وانتهاكاتها للقانون الدولي المتمثلة في بناء المستوطنات وتغيير طابع مدينة القدس واستمرار فرض الحصار على غزة، الذي لم يعد ممكناً تفهمه واستمراره بسبب السياسات الانتقائية في تطبيق قرارات الشـرعية الدولية، وتفضيل سياسات القوة وفرض الأمر الواقع على مبادئ العدالة والإنصاف».
وقدم خالص الشكر والتقدير إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وولي العهد، على استضافة هذه القمة المهمة وعلى حسن الاستقبال والتنظيم لإنجاحها.
وقال: «ينعقد هذا الاجتماع المهم في ظل ما يواجهه العالم من تحديات تضع على المحك قدرات المجتمع الدولي في تعزيز التعاون بين الدول لإيجاد حلول عادلة وواقعية للقضايا العالمية باحترام ما استقر في وجدان البشرية من قيم وأعراف، ويدرك الجميع أنه لا أمن ولا استقرار ولا تنمية في ظل النزاعات، وأن احتكام أطراف النزاعات لأحكام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة يوفر على شعوبها وعلى الإنسانية جمعاء الكثير من الضحايا والمآسي، ولكن كما هو معروف فإن القانون الدولي هو قانون عُرفي لا يُلزِم إلا من تدفعه مبادئُه أو محدودية قدراتِه للالتزام به، ومنذ نهاية الحرب الباردة تتحاور الدول حول ضرورة وجود تحالفات لقوى دولية ملتزمة بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وقادرة على فرض هيبتهما، على نحو غير انتقائي بحيث لا تُخضَع لمصالح دول بعينها أو توجهاتها الأيديولوجية، ولم يفلح المجتمع الدولي في ذلك حتى الآن».
وأضاف: «إن الأزمات والحروب في أي منطقة تؤثر على العالم بأسره، وللحرب في أوكرانيا ضحايا مباشرون وغير مباشرين، فقد أسهمت هذه الحرب في مفاقمة أزمة اقتصادية قد تؤدي إلى كوارث إنسانية، ولا سيما في حالة الدول النامية المستوردة للغذاء والنفط، وفي هذا السياق فإن دولة قطر - عدا تضامنها مع الضحايا ودعمها للجهود السياسية لإنهاء هذه الحرب - لن تدّخر جهداً في العمل مع شركائها في المنطقة والعالم لضمان التدفق المستمر لإمدادات الطاقة».
وأكد أمير قطر أهمية العلاقات الخليجية والعربية عمومًا مع الولايات المتحدة وضرورة الحفاظ عليها وتعميقها، ولا يخفى على أحد الدور المحوري للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط والعالم، وأن تحقيق الاستقرار في منطقة الخليج ضروري ليس لها فحسب بل للمجتمع الدولي بأسره.
وأشار إلى أن الدول العربية أجمعت على الرغم من خلافاتها على مبادرة سلام عربية تعرب عن الاستعداد لتطبيع العلاقات معها جميعاً إذا وافقت إسرائيل على تسويةٍ بناء على قرارات الشرعية الدولية التي تقضي بالانسحاب إلى حدود عام 1967 ضمن اتفاقية السلام، لافتًا النظر إلى أنه لا يصح أن نتخلى عن مبادراتنا لمجرد أن إسرائيل ترفضها، ولا يجوز أن يكون دور العرب اقتراح التسويات، ودور إسرائيل رفضها والزيادة في التعنت كلما قدم العرب تنازلات، مبينًا أنه إذا كان لإسرائيل رأي عام فإن لدينا أيضاً في العالم العربي رأينا العام، ونتطلع إلى دور فعال للولايات المتحدة في الدعوة إلى مفاوضات جادة لتسوية القضية الفلسطينية وفق قرارات الشـرعية الدولية وفق مبدأ حل الدولتين الذي تَوَافق عليه المجتمع الدولي، بحيث لا يكون المقصود تفاوضاً من أجل التفاوض، ولا لإيهام أنفسنا أنه ثمة عملية سلام جارية.
وثمّن أمير دولة قطر الهدنة بين الأطراف اليمنية، ومبادرة المملكة العربية السعودية إلى طرحها، متطلعًا إلى استمرارها للتوصل إلى حل لهذه الأزمة وفقاً للمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني اليمني وقرارات مجلس الأمن.
وأوضح قائلا: «يجب أن نتفق على قواعد نحترمها جميعاً بحيث توجّه عملنا لحل الأزمات في اليمن وليبيا وغيرهما من الدول، ومنها حصر أدوات العنف بين يدي الدولة، والتمييز بين النظام التوافقي والمحاصصة، فقد تتجاوز المحاصصة الشراكة في التمثيل السياسي إلى تقاسم الدولة ومؤسساتها كأنها غنيمة، بحيث لا تعود قادرة على القيام بمهامها، هذه المبادئ تصلح أيضاً دليلاً موجِّهاً في العراق ولبنان التي تعيش أزمات من نوع آخر»، معرّجًا على ما يحدث لسورية، بأنه لا يجوز قبول الأمر الواقع الذي يعني استمرار الظلم الفظيع الذي يتعرض له الشعب السوري، والعمل من أجل التوصل إلى حل سياسي وفقاً لمقررات جنيف (1) بما يحقق تطلعات الشعب السوري.
ولفت الشيخ تميم في ختام كلمته إلى أهمية المشاركة في مواجهة التحديات التي تواجه الإنسانية جمعاء ومنها قضية التغيّر المناخي، ونتطلع أن يحقق مؤتمر الأمم المتحدة COP27 القادم في جمهورية مصر العربية توقعات المجتمع الدولي في هذا الشأن، متمنيًا أن تتكلل أعمال هذه القمة بالنجاح.