شيئاً فشيئاً بدأت تتكشف أسرار عملية تصفية زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، الذي تصفه الإدارة الأمريكية بأنه المخطط المشارك لهجمات 11 سبتمبر 2001. وكانت الولايات المتحدة أعلنت قتل الظواهري صباح الأحد، في شرفة منزل يقطنه في حي شيربور الراقي في العاصمة الأفغانية (كابول). واتضح أمس -بحسب صحيفة «نيويورك تايمز»- أن ضباط الاستخبارات الأمريكية اكتشفوا في الربيع الماضي، أثناء مطاردتهم الظواهري لمعرفة مكان وجوده، أنه يفضل القراءة خلال الصباح الباكر، أثناء جلوسه في شرفة الطابق الثالث من منزله في كابول. وبفضل هذا الاكتشاف الثمين، تمكن عملاء الاستخبارات الأمريكية من التخطيط لغارة صاروخية يمكن أن تدمر الظواهري، دون إحداث أي ضرر بالمبنى، والمدنيين داخل المنزل أو جيرانهم.
ظل الظواهري هدفاً لبحث وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية منذ وقوع هجمات سبتمبر 2001، وزادت أهميته كهدف ثمين بعد قتل أسامة بن لادن، واختياره زعيماً للتنظيم الإرهابي. وأشارت «التايمز» أمس، إلى أن مسؤولين كباراً أبلغوا البيت الأبيض بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بأنه سيكون بمستطاعهم إيجاد شبكة من المُخبرين، تتم إدارتها من بُعد، بحيث تكون الولايات المتحدة غير عمياء بالنسبة إلى أي تهديدات إرهابية تنشأ ضدها في أفغانستان. وأشارت الصحيفة إلى أنها خلصت، بعد سلسلة من المقابلات من مسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين، ومحللين مستقلين، إلى أن واشنطن ظلت تعتقد على مدى سنوات أن الظواهري مختبئ في مكان على الحدود الباكستانية المجاورة لأفغانستان. وهي المنطقة التي لجأ إليها كبار عناصر القادة وحركة طالبان بعد الغزو الأمريكي الذي أدى إلى الإطاحة بحركة طالبان، إثر هجمات سبتمبر 2001. وعلى رغم الاعتقاد بأن الظواهري شارك بن لادن في تخطيط الهجمات التي أسفرت عن مقتل أكثر من 3 آلاف شخص في الولايات المتحدة؛ فإنه مطلوب أساساً للعدالة الأمريكية بسبب التفجيرين اللذين استهدفا سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا في سنة 1998. وظلت الاستخبارات الأمريكية تدير شبكة من العملاء الذين يتولون رصد تحركات الظواهري، وإبلاغها بأي تطورات. لكن اهتمامها بإيجاد مكان اختبائه تضاعف بعد قرار إدارة الرئيس جو بايدن سحب القوات الأمريكية من أفغانستان العام الماضي. وأجمع كبار عملاء الاستخبارات الأمريكية على توقعهم بأن يغري الانسحاب الأمريكي الظواهري بالعودة لأفغانستان.
صدقت تلك التوقعات بعدما تلقى مسؤولو الاستخبارات من عملائهم داخل أفغانستان ما يفيد بأن عائلة الظواهري عادت لكابول، وأن مسؤولي طالبان خصصوا لها منزلاً في العاصمة كابول. وعلى رغم أن عائلة الظواهري حرصت على إبعاد نفسها من أي رصد محتمل؛ فإن عملاء الاستخبارات الأمريكية نجحوا في التأكد من أن الظواهري عاد هو الآخر لكابول. وكشفت مقابلات «التايمز» أن المنزل الآمن الذي خصص لإقامة الظواهري وأفراد أسرته مملوك لأحد قادة «شبكة حقاني»، وهي أحد الأجنحة القتالية الدموية التابعة لحركة طالبان. ويقع في منطقة تسيطر عليها عناصر الشبكة. وكثيراً ما التقى قادة طالبان في هذا المنزل، لكن المسؤولين الأمريكيين لا يعرفون على وجه اليقين إن كان قادة طالبان على علم بأن شبكة حقاني سمحت للظواهري بالعودة لكابول. ولا يُعرف تحديداً لماذا قرر الظواهري العودة لأفغانستان. غير أنه يُعتقد بأنه اختار العودة لسهولة الحصول على علاج طبي في العاصمة الأفغانية، ولسهولة قيامه بإنتاج المقاطع المرئية والصوتية، التي يوظفها لتحقيق أغراضه المتطرفة. وخلصت الصحيفة الأمريكية إلى أن العلاقة الوثيقة بين شبكة حقاني والظواهري هي التي أوصلت الأمريكيين إلى المنزل الآمن المخصص للظواهري. وأشارت إلى أن تلك العلاقة ممتدة منذ عهد «المجاهدين» في أفغانستان؛ إذ ظلت شبكة حقاني تزود القاعدة بالمساندة التكتيكية التي يحتاج اليها التنظيم الإرهابي. وما إن تأكد عملاء الاستخبارات الأمريكية من دقة موقع البيت الآمن في كابول؛ قررت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية اتباع الخطوات التي اعتمدتها لتصفية أسامة بن لادن. فقد قامت ببناء نموذج للموقع لتعرف كل شيء عنه. ولاحظ محللو الوكالة أن هناك شخصاً يظهر على شرفة الطابق الثالث، ولا يغادر المنزل مطلقاً. وتمكنوا من التأكد من أن ذلك الشخص هو أيمن الظواهري. وقرر المسؤولون الأمريكيون أنه حان الوقت لمهاجمة الظواهري. لكن المنزل الآمن يضع عراقيل أمام الهجوم المحتمل. فلو تم استخدام صاروخ مزود بشحنة ضخمة من المتفجرات من الممكن أن تتضرر المنازل المجاورة.
وكان المتطرفون استهدفوا محطة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في محافظة خوست، بعد أن عرفوا أنها مكرّسة لتحديد مكان بن لادن والظواهري. وحين ظن الأمريكيون أن أحد عملائهم قادهم إلى مكان اختباء الظواهري، منيت قواتهم بخسائر فادحة. فقد اعتقد الأمريكيون أن الطبيب الأردني المسؤول عن الدعاية في تنظيم القاعدة هُمام خليل أبو ملال البلوي سيقودهم إلى مخبأ الظواهري؛ فقد ظل يزودهم بمعلومات عن الحال الصحية للظواهري. واستطاع إقناعهم بأنه يعمل لمصلحتهم بصدق، ولكن اتضح لهم أن الرجل كان عميلاً مزدوجاً، فقد ذهب فجأة في 30 ديسمبر 2009 إلى معسكر شابمان، القاعدة الأمريكية في محافظة خوست المكرسة للعثور على الظواهري، وهو يرتدي سترة انتحارية! وعندما قام بتفجير سترته لقي مصرعه ومعه سبعة من ضباط وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية. ويعتقد محللون أن حادثة محافظة خوست حدت بالأمريكيين إلى تكثيف البحث عن مخبأ الظواهري.
وخلال عامي 2012 و2014 ركزت الاستخبارات الأمريكية بحثها عن الظواهري في منطقة وزيرستان الشمالية في باكستان. وشعر عملاء الوكالة بأنهم عثروا على القرية الصغيرة التي يتخذها الظواهري مخبأً. لكن معلوماتهم الاستخبارية لم تنجح في تحديد مكان بعينه يمكن أن يكون مخبأ للظواهري. واضطرت الاستخبارات الأمريكية إلى البحث عن زعيم القاعدة في منطقة القبائل الباكستانية، بهدف قطع الطريق على أي تعاون محتمل بين الظواهري وزعماء القبائل هناك. وفي أول أبريل 2022، أبلغ مسؤولون استخباريون كبار مسؤولي الأمن القومي في البيت الأبيض بأنهم توصلوا إلى الملاذ الآمن المخصص للظواهري. وأشاروا إلى أنهم استغرقوا وقتاً طويلاً في رصد الحياة الشخصية للظواهري، خصوصاً ملاحظتهم أنه لا يغادر منزله مطلقاً، وأنه يبحث عن الهواء الطلق من خلال إطلالته لأوقات طويلة على الشرفة كل صباح. واستطاع الظواهري أن ينتج عدداً من المقاطع المرئية والصوتية في ذلك المنزل. واضطر البيت الأبيض إلى استدعاء عدد من المحللين المستقلين للتحقق من المعلومات الاستخبارية المشار إليها، بما في ذلك التحقق من هوية جميع القاطنين في ذلك المنزل الآمن.
وبعد اتخاذ قرار بوضع خطة للهجوم على الظواهري؛ دار نقاش بشأن أنسب طراز من الصواريخ التي ينبغي أن تستهدف الظواهري من دون التسبب بأي ضرر كبير في المبنى والمنازل المجاورة. واتفق المسؤولون على ضرورة استخدام صاروخ «هيلفاير» المصمم خصيصاً لقتل شخص واحد. وفي الأول من يوليو 2022 قام مدير وكالة الاستخبارات المركزية وليام بيرنز بإطلاع الرئيس بايدن على نموذج المنزل الآمن الذي يختبئ فيه الظواهري. وتساءل الرئيس الأمريكي في ذلك الاجتماع عن احتمالات وقوع أضرار جانبية. وطلب من بيرنز أن يطلعه على الخطوات التي قادت عملاء الاستخبارات للعثور على الظواهري، وعلى خطة الهجوم عليه. وطلب البيت الأبيض من المركز القومي الأمريكي لمكافحة الإرهاب تزويده بتقييم مستقل للتبعات المحتملة لتصفية الظواهري، داخل أفغانستان، وعلى نطاق شبكة القاعدة في أرجاء العالم. وتساءل الرئيس أيضاً عن المخاطر التي يحتمل أن يتسبب فيها تدمير الظواهري بالنسبة للرهينة الأمريكي مارك فريشس الذي تحتجزه شبكة حقاني.
وخلال يونيو ويوليو 2022، عقد المسؤولون الأمريكيون عدداً من الاجتماعات في البيت الأبيض لدرس التبعات المحتملة. وأشارت وكالة الاستخبارات المركزية إلى أنها ستستخدم طائراتها المسيّرة. وفي 29 يوليو، وبعد اقتناع الرئيس بايدن بتفاصيل الخطة، تم تخويل الاستخبارات المركزية بتنفيذ العملية في أقرب فرصة ملائمة. وتم ذلك صباح الأحد الماضي. واستخدم عملاء الوكالة صاروخين من طراز هيلفاير لوضع حد لمطاردة استمرت أكثر من عقدين.
الظواهري وبن لادن.. الواجهة والعقل المدبر
كان أسامة بن لادن أبرز وجه لتنظيم القاعدة، حتى تصفيته في مخبأ ببلدة أبوت أباد في باكستان في مايو 2011. وكان أيمن الظواهري العقل المدبر للتنظيم، في وجود بن لادن وبعد رحيله. وأشارت تقارير نشرتها صحف واشنطن بعد قتل الظواهري إلى أنه أقام فترة بمحافظة هلمند الأفغانية، قبل أن يتم نقله إلى كابول، التي استولت عليها حركة طالبان في يوليو 2021. وتمكن الأمريكيون، خلال السنة الحالية، من معرفة أن زوجة الظواهري وابنته وأنجالها يرافقون زعيم القاعدة في كابول. ويذكر أن صاروخ هيلفاير (وتعني نار الجحيم) صمم أصلاً ليكون مضاداً للدروع (الدبابات) خلال ثمانينيات القرن الـ20. وظل الجيش والاستخبارات الأمريكية يستخدمونه طوال العقدين الماضيين في العراق، وأفغانستان، واليمن، وأماكن أخرى. ويمكن تثبيت هذا الصاروخ الدقيق التصويب على المروحيات، والطائرات المسيّرة. وتم تصنيع أكثر من 100 ألف صاروخ هيلفاير للجيش الأمريكي ودول أخرى. ومن أبرز الأهداف التي دمرتها الولايات المتحدة بهذا الصاروخ زعيم القاعدة في اليمن أنور العولقي (2011)، وزعيم التنظيم في سورية العام الماضي.
يسود اعتقاد على نطاق واسع بأن صاروخ هيلفاير الذي استخدم في قتل أيمن الظواهري، في كابول الأحد الماضي، هو نسخة محدّثة من هذا الصاروخ. وتتولى شركة لوكهيد مارتن الأمريكية صنع صواريخ هيلفاير للغارات من الجو للأرض. وعادة ما تسفر مثل هذه الضربات عن تدمير المباني، وقتل عدد من المدنيين. لكن مواقع التواصل عرضت صوراً لصاروخ هيلفاير توضح أنه تم تعديله. ويطلق على النسخة المعدلة R9X، التي زودت بست شفرات حادة لتدمير الأهداف المقصودة. وربما لذلك لم يتضرر بيت الظواهري، ولم يصب أحد من أفراد أسرته. ويعتقد أن هذا التحديث جعل صاروخ هيلفاير قادراً على استهداف الشخص المقصود من دون حدوث تفجير، إذ إنه ينفذ إلى هدفه من خلال شفراته الحادة القادرة على اختراق السيارات، والغرف، وغير ذلك.
ظل الظواهري هدفاً لبحث وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية منذ وقوع هجمات سبتمبر 2001، وزادت أهميته كهدف ثمين بعد قتل أسامة بن لادن، واختياره زعيماً للتنظيم الإرهابي. وأشارت «التايمز» أمس، إلى أن مسؤولين كباراً أبلغوا البيت الأبيض بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بأنه سيكون بمستطاعهم إيجاد شبكة من المُخبرين، تتم إدارتها من بُعد، بحيث تكون الولايات المتحدة غير عمياء بالنسبة إلى أي تهديدات إرهابية تنشأ ضدها في أفغانستان. وأشارت الصحيفة إلى أنها خلصت، بعد سلسلة من المقابلات من مسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين، ومحللين مستقلين، إلى أن واشنطن ظلت تعتقد على مدى سنوات أن الظواهري مختبئ في مكان على الحدود الباكستانية المجاورة لأفغانستان. وهي المنطقة التي لجأ إليها كبار عناصر القادة وحركة طالبان بعد الغزو الأمريكي الذي أدى إلى الإطاحة بحركة طالبان، إثر هجمات سبتمبر 2001. وعلى رغم الاعتقاد بأن الظواهري شارك بن لادن في تخطيط الهجمات التي أسفرت عن مقتل أكثر من 3 آلاف شخص في الولايات المتحدة؛ فإنه مطلوب أساساً للعدالة الأمريكية بسبب التفجيرين اللذين استهدفا سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا في سنة 1998. وظلت الاستخبارات الأمريكية تدير شبكة من العملاء الذين يتولون رصد تحركات الظواهري، وإبلاغها بأي تطورات. لكن اهتمامها بإيجاد مكان اختبائه تضاعف بعد قرار إدارة الرئيس جو بايدن سحب القوات الأمريكية من أفغانستان العام الماضي. وأجمع كبار عملاء الاستخبارات الأمريكية على توقعهم بأن يغري الانسحاب الأمريكي الظواهري بالعودة لأفغانستان.
صدقت تلك التوقعات بعدما تلقى مسؤولو الاستخبارات من عملائهم داخل أفغانستان ما يفيد بأن عائلة الظواهري عادت لكابول، وأن مسؤولي طالبان خصصوا لها منزلاً في العاصمة كابول. وعلى رغم أن عائلة الظواهري حرصت على إبعاد نفسها من أي رصد محتمل؛ فإن عملاء الاستخبارات الأمريكية نجحوا في التأكد من أن الظواهري عاد هو الآخر لكابول. وكشفت مقابلات «التايمز» أن المنزل الآمن الذي خصص لإقامة الظواهري وأفراد أسرته مملوك لأحد قادة «شبكة حقاني»، وهي أحد الأجنحة القتالية الدموية التابعة لحركة طالبان. ويقع في منطقة تسيطر عليها عناصر الشبكة. وكثيراً ما التقى قادة طالبان في هذا المنزل، لكن المسؤولين الأمريكيين لا يعرفون على وجه اليقين إن كان قادة طالبان على علم بأن شبكة حقاني سمحت للظواهري بالعودة لكابول. ولا يُعرف تحديداً لماذا قرر الظواهري العودة لأفغانستان. غير أنه يُعتقد بأنه اختار العودة لسهولة الحصول على علاج طبي في العاصمة الأفغانية، ولسهولة قيامه بإنتاج المقاطع المرئية والصوتية، التي يوظفها لتحقيق أغراضه المتطرفة. وخلصت الصحيفة الأمريكية إلى أن العلاقة الوثيقة بين شبكة حقاني والظواهري هي التي أوصلت الأمريكيين إلى المنزل الآمن المخصص للظواهري. وأشارت إلى أن تلك العلاقة ممتدة منذ عهد «المجاهدين» في أفغانستان؛ إذ ظلت شبكة حقاني تزود القاعدة بالمساندة التكتيكية التي يحتاج اليها التنظيم الإرهابي. وما إن تأكد عملاء الاستخبارات الأمريكية من دقة موقع البيت الآمن في كابول؛ قررت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية اتباع الخطوات التي اعتمدتها لتصفية أسامة بن لادن. فقد قامت ببناء نموذج للموقع لتعرف كل شيء عنه. ولاحظ محللو الوكالة أن هناك شخصاً يظهر على شرفة الطابق الثالث، ولا يغادر المنزل مطلقاً. وتمكنوا من التأكد من أن ذلك الشخص هو أيمن الظواهري. وقرر المسؤولون الأمريكيون أنه حان الوقت لمهاجمة الظواهري. لكن المنزل الآمن يضع عراقيل أمام الهجوم المحتمل. فلو تم استخدام صاروخ مزود بشحنة ضخمة من المتفجرات من الممكن أن تتضرر المنازل المجاورة.
وكان المتطرفون استهدفوا محطة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في محافظة خوست، بعد أن عرفوا أنها مكرّسة لتحديد مكان بن لادن والظواهري. وحين ظن الأمريكيون أن أحد عملائهم قادهم إلى مكان اختباء الظواهري، منيت قواتهم بخسائر فادحة. فقد اعتقد الأمريكيون أن الطبيب الأردني المسؤول عن الدعاية في تنظيم القاعدة هُمام خليل أبو ملال البلوي سيقودهم إلى مخبأ الظواهري؛ فقد ظل يزودهم بمعلومات عن الحال الصحية للظواهري. واستطاع إقناعهم بأنه يعمل لمصلحتهم بصدق، ولكن اتضح لهم أن الرجل كان عميلاً مزدوجاً، فقد ذهب فجأة في 30 ديسمبر 2009 إلى معسكر شابمان، القاعدة الأمريكية في محافظة خوست المكرسة للعثور على الظواهري، وهو يرتدي سترة انتحارية! وعندما قام بتفجير سترته لقي مصرعه ومعه سبعة من ضباط وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية. ويعتقد محللون أن حادثة محافظة خوست حدت بالأمريكيين إلى تكثيف البحث عن مخبأ الظواهري.
وخلال عامي 2012 و2014 ركزت الاستخبارات الأمريكية بحثها عن الظواهري في منطقة وزيرستان الشمالية في باكستان. وشعر عملاء الوكالة بأنهم عثروا على القرية الصغيرة التي يتخذها الظواهري مخبأً. لكن معلوماتهم الاستخبارية لم تنجح في تحديد مكان بعينه يمكن أن يكون مخبأ للظواهري. واضطرت الاستخبارات الأمريكية إلى البحث عن زعيم القاعدة في منطقة القبائل الباكستانية، بهدف قطع الطريق على أي تعاون محتمل بين الظواهري وزعماء القبائل هناك. وفي أول أبريل 2022، أبلغ مسؤولون استخباريون كبار مسؤولي الأمن القومي في البيت الأبيض بأنهم توصلوا إلى الملاذ الآمن المخصص للظواهري. وأشاروا إلى أنهم استغرقوا وقتاً طويلاً في رصد الحياة الشخصية للظواهري، خصوصاً ملاحظتهم أنه لا يغادر منزله مطلقاً، وأنه يبحث عن الهواء الطلق من خلال إطلالته لأوقات طويلة على الشرفة كل صباح. واستطاع الظواهري أن ينتج عدداً من المقاطع المرئية والصوتية في ذلك المنزل. واضطر البيت الأبيض إلى استدعاء عدد من المحللين المستقلين للتحقق من المعلومات الاستخبارية المشار إليها، بما في ذلك التحقق من هوية جميع القاطنين في ذلك المنزل الآمن.
وبعد اتخاذ قرار بوضع خطة للهجوم على الظواهري؛ دار نقاش بشأن أنسب طراز من الصواريخ التي ينبغي أن تستهدف الظواهري من دون التسبب بأي ضرر كبير في المبنى والمنازل المجاورة. واتفق المسؤولون على ضرورة استخدام صاروخ «هيلفاير» المصمم خصيصاً لقتل شخص واحد. وفي الأول من يوليو 2022 قام مدير وكالة الاستخبارات المركزية وليام بيرنز بإطلاع الرئيس بايدن على نموذج المنزل الآمن الذي يختبئ فيه الظواهري. وتساءل الرئيس الأمريكي في ذلك الاجتماع عن احتمالات وقوع أضرار جانبية. وطلب من بيرنز أن يطلعه على الخطوات التي قادت عملاء الاستخبارات للعثور على الظواهري، وعلى خطة الهجوم عليه. وطلب البيت الأبيض من المركز القومي الأمريكي لمكافحة الإرهاب تزويده بتقييم مستقل للتبعات المحتملة لتصفية الظواهري، داخل أفغانستان، وعلى نطاق شبكة القاعدة في أرجاء العالم. وتساءل الرئيس أيضاً عن المخاطر التي يحتمل أن يتسبب فيها تدمير الظواهري بالنسبة للرهينة الأمريكي مارك فريشس الذي تحتجزه شبكة حقاني.
وخلال يونيو ويوليو 2022، عقد المسؤولون الأمريكيون عدداً من الاجتماعات في البيت الأبيض لدرس التبعات المحتملة. وأشارت وكالة الاستخبارات المركزية إلى أنها ستستخدم طائراتها المسيّرة. وفي 29 يوليو، وبعد اقتناع الرئيس بايدن بتفاصيل الخطة، تم تخويل الاستخبارات المركزية بتنفيذ العملية في أقرب فرصة ملائمة. وتم ذلك صباح الأحد الماضي. واستخدم عملاء الوكالة صاروخين من طراز هيلفاير لوضع حد لمطاردة استمرت أكثر من عقدين.
الظواهري وبن لادن.. الواجهة والعقل المدبر
كان أسامة بن لادن أبرز وجه لتنظيم القاعدة، حتى تصفيته في مخبأ ببلدة أبوت أباد في باكستان في مايو 2011. وكان أيمن الظواهري العقل المدبر للتنظيم، في وجود بن لادن وبعد رحيله. وأشارت تقارير نشرتها صحف واشنطن بعد قتل الظواهري إلى أنه أقام فترة بمحافظة هلمند الأفغانية، قبل أن يتم نقله إلى كابول، التي استولت عليها حركة طالبان في يوليو 2021. وتمكن الأمريكيون، خلال السنة الحالية، من معرفة أن زوجة الظواهري وابنته وأنجالها يرافقون زعيم القاعدة في كابول. ويذكر أن صاروخ هيلفاير (وتعني نار الجحيم) صمم أصلاً ليكون مضاداً للدروع (الدبابات) خلال ثمانينيات القرن الـ20. وظل الجيش والاستخبارات الأمريكية يستخدمونه طوال العقدين الماضيين في العراق، وأفغانستان، واليمن، وأماكن أخرى. ويمكن تثبيت هذا الصاروخ الدقيق التصويب على المروحيات، والطائرات المسيّرة. وتم تصنيع أكثر من 100 ألف صاروخ هيلفاير للجيش الأمريكي ودول أخرى. ومن أبرز الأهداف التي دمرتها الولايات المتحدة بهذا الصاروخ زعيم القاعدة في اليمن أنور العولقي (2011)، وزعيم التنظيم في سورية العام الماضي.
يسود اعتقاد على نطاق واسع بأن صاروخ هيلفاير الذي استخدم في قتل أيمن الظواهري، في كابول الأحد الماضي، هو نسخة محدّثة من هذا الصاروخ. وتتولى شركة لوكهيد مارتن الأمريكية صنع صواريخ هيلفاير للغارات من الجو للأرض. وعادة ما تسفر مثل هذه الضربات عن تدمير المباني، وقتل عدد من المدنيين. لكن مواقع التواصل عرضت صوراً لصاروخ هيلفاير توضح أنه تم تعديله. ويطلق على النسخة المعدلة R9X، التي زودت بست شفرات حادة لتدمير الأهداف المقصودة. وربما لذلك لم يتضرر بيت الظواهري، ولم يصب أحد من أفراد أسرته. ويعتقد أن هذا التحديث جعل صاروخ هيلفاير قادراً على استهداف الشخص المقصود من دون حدوث تفجير، إذ إنه ينفذ إلى هدفه من خلال شفراته الحادة القادرة على اختراق السيارات، والغرف، وغير ذلك.