نجا العراق في العام 2022 من أحداث جسام، كان أخطرها على الإطلاق شبح الحرب الأهلية التي كادت أن تندلع بين أنصار التيار الصدري والقوى الموالية لطهران، على خلفية سيطرة الأول على الأغلبية البرلمانية المطلقة. وعاش العراق عدة أشهر في ظل هذا الشبح الذي توقف بإعلان مقتدى الصدر اعتزال العمل السياسي وسحب تياره من الحياة العامة.
لم يكن هذا هو الحدث الوحيد خلال عام 2022، بل ارتفعت خلال هذا العام توقعات باندلاع حرب بين الولايات المتحدة وإيران في الساحة العراقية بفعل الضربات المتتالية التي نفذتها قوى ومليشيات تديرها طهران من قصف للقواعد العسكرية للمارينز والقنصلية الأمريكية في أربيل وسفارة واشنطن في العاصمة بغداد.
خارجياً، واجه العراق ولا يزال أزمات متلاحقة مع إيران وتركيا، بسبب استباحتهما لأراضيه من خلال دخول الجيش التركي إلى العمق العراقي لمطاردة معارضيه، فيما تفعل طهران الشيء ذاته لكن بطريقة مختلفة، إذ تعتمد في هجماتها على إقليم كردستان على الطائرات المسيرة، وهي القضية التي فشل العراق في حلها رغم كل الطرق الدبلوماسية التي سلكها حتى الآن.
وأمضى العراق طيلة العام 2022 في ملاحقة فلول تنظيم «داعش»، وتعرض للعديد من العمليات التي نفذها التنظيم الإرهابي، إضافة إلى أحداث محلية تمثلت في اعتصامات ومظاهرات وحرق مقرات أحزاب في إطار الصراع الداخلي على السلطة، وحاولت الحكومة السابقة التي كان يقودها مصطفى الكاظمي إلى إعادة الأوضاع لطبيعتها في العراق، فضلاً عن إطلاق إستراتيجية الانفتاح الخارجي السياسي والاقتصادي فاقترب من مصر والأردن وهو يحمل عنوان العراق لعمقه العربي، إلا أن القوى «الولائية» خصوصاً في البرلمان عطلت جميع مشاريع الكاظمي الخارجية، التي كانت في الأساس مشاريع اقتصادية لصالح الشعب العراقي.
وشهد العام، الذي يقترب من نهايته، تراجعاً حاداً على مستوى الزراعة بسبب عزوف الفلاحين عن هذه المهنة نتيجة إلغاء الحكومة للضرائب المستوفاة عن المواد الزراعية المستوردة من الأردن، ما جعلها منافساً للزراعة العراقية التي تعاني تراجعاً بسبب الفساد الذي أدخل إليها الأسمدة والحبوب المستوردة التالفة، ما جعلها تتخلف عن مثيلاتها العربية والعالمية. العراق في عام 2022 عاش أزمات متلاحقة، أبرزها الأزمات السياسية التي انعكست اقتصادياً على المجتمع، فارتفعت نسبة البطالة إلى أرقام غير مسبوقة وارتفعت معها نسبة الفقر، وربما كانت الأزمة الأكبر هو الكشف عن «سرقة القرن» المقدرة بأكثر من ملياري دولار، والتي شكلت صدمة كبيرة للداخل والخارج.
وعلى الرغم من كل تلك الأزمات المتلاحقة سياسياً وأمنياً واقتصادياً، فإن رئيس الوزراء الجديد محمد شياع السوداني يسعى بشتى الوسائل إلى إخراج البلاد من عثراتها خلال العام الجديد، رغم أن تلك الأزمات تلقي بظلالها على العام الجديد، فقد بدأ الرجل عمله بعقد مؤتمر «بغداد 2» في الأردن، على أمل إنقاذ ما يمكن إنقاذه خصوصاً في المسألة الاقتصادية. ويبقى الرهان في هذا الأمر مرتبط بمدى قدرة السوداني على إقناع البرلمان، الذي تسيطر عليه القوى الموالية للنظام الإيراني، بتنفيذ ما تتوصل إليه الحكومة من تفاهمات واتفاقيات خارجية.