منطاد الصين
منطاد الصين
-A +A
عبدالله الغضوي (إسطنبول) Abdullah Alghdwi@

ضجّت الولايات المتحدة بحادثة «المنطاد الصيني» الذي اخترق المجال الجوي الأمريكي وبلغ مناطق حساسة، الأمر الذي اعتبرته واشنطن خرقاً للقانون الدولي وعملية تجسس غريبة من نوعها، في الوقت الذي تمر فيه علاقات البلدين بأسوأ مرحلة منذ فترة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون.دافعت الصين عن حادثة المنطاد، وعلى الرغم من التبريرات التي قدمتها إلا أن أمريكا أصرت على التصعيد، وتأجلت زيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى بكين وهددت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) الصين بمزيد من الردود العنيفة في حال تكرار العملية.

الصين اعتبرت أن الرد الأمريكي مبالغ فيه، إذ إن هذا المنطاد كان من أجل الأغراض العلمية، لكن قوة قاهرة تمكنت من حرف مساره إلى الولايات المتحدة، بينما يتساءل خبراء في العلوم العسكرية: لماذا وصل المنطاد إلى ولاية مونتانا التي تنتشر فيها صواريخ نووية حساسة؟.

ظل لغز المنطاد بين أدلة واستنتاجات أمريكية، وبين نفي صيني على كل المستويات بأنه محاولة تجسس، إلا أن هذه الحادثة أثرت بكل تأكيد على مستقبل العلاقات الصينية الأمريكية، وسط توقعات بتصعيد أمريكي جديد تجاه الصين، خصوصاً أن إدارة الرئيس جو بايدن وضعت مواجهة الصين على أولوية السياسة الخارجية.

المسؤول السابق في وكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي فيل مود، يرى أن الحديث عن تجسس صيني على الولايات المتحدة أمر «هراء»، ويقول «إذا كانت الصين تريد جمع صور لأمريكا، فيمكنك الدخول إلى Google Earth، يمكنك إرسال قمر صناعي سري صيني، وإذا أرادوا اعتراض الاتصالات فيمكنهم فعل ذلك بالأقمار الصناعية.

أما الخبير في مناطيد المراقبة بمركز أبحاث ماراثون أنيسياتيف الأمريكي وليام كيم، فأوضح أن هذه الأجهزة تعد أدوات مراقبة قوية من الصعب إسقاطها، مضيفاً أن المنطاد الصيني يشبه شكل منطاد الأرصاد الجوية العادي، إلا أن هناك بعض العناصر المختلفة، إذ تتكون حمولته الضخمة -التي يمكن رؤيتها بوضوح- من أدوات إلكترونية للتوجيه والمراقبة، إضافة إلى أن المنطاد يحمل تقنيات توجيه لم يتم اعتمادها بعد لدى الجيش الأمريكي.

وبرر وليام استخدام الصين للمنطاد بأنه لا يحمل ألواحاً عاكسة من شأنها تلفت انتباه الرادارات الأمريكية، كما أن شكله لا يحمل ملامح تجسس، وبالتالي يمكن أن يؤدي المهمة بكل سهولة، وهذا ما أكده مسؤولون أمريكيون عسكريون من أن المنطاد أكمل المهمة.

الواقع أن هذه الحادثة بغض النظر عن مصداقية أحد الطرفين، فإنها أعطت جرعة كافية لرفع التوتر في العلاقات الصينية الأمريكية، وأعطت مبرراً جديداً للولايات المتحدة للتأكيد على صوابية زيارة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي العام الماضي إلى تايوان وتحدي السيادة الصينية، وبالتالي فإن الطرفين في هذه الأوقات مستعدان للتصعيد السياسي، بل إن العلاقات تتجه إلى رفع مستوى التصعيد في الأيام القادمة.

إن مؤشرات إلغاء زيارة بلينكن إلى بكين؛ وهي الزيارة الأول من نوعها لوزير خارجية أمريكي إلى الصين منذ 2018، توحي باستعداد أمريكي لفتح المواجهة مع الصين رغم أنه ليس من المتوقع أن يتجه الصدام إلى شكل عسكري، خصوصاً في ظل الحرب الروسية في أوكرانيا؛ لذلك فإن التوتر سيكون سيد الموقف بينهما في قادم الأيام، لكن السؤال الأكبر في هذه العلاقة هو: هل سترد واشنطن على بكين في حادثة المنطاد، وإن كان هناك من رد كيف سيكون هذا الرد. العديد من المراقبين رأوا أن عهد الرئيس جو بايدن سيكون هادئاً، بعد أن كان عهد الرئيس السابق دونالد ترمب عاصفاً، إلا أن كل العواصف السياسية والعسكرية ظهرت في عهد بايدن، فهل نشهد المزيد من تلك العواصف؟.