هل يمكن لطفل في هذا العالم أن يهرب من الألعاب وأن يهابها ويصاب بنوبة من القلق والفزع والخوف الشديد بمجرد رؤيتها أو دعوته للاقتراب منها أو لمسها؟.
هل يمكن أن نصدق أن طفلا ذي أربع سنوات يعيش حالة من الفوبيا بمجرد وقوع عينيه على لعبة ما؟.
فكل أطفال العالم يحبون الألعاب ويفرحون لرؤيتها ويبكون لمجرد فقدانها أو كسرها ويحبون امتلاكها والاستحواذ عليها، لكن الأمر ليس نفسه في اليمن، فالعديد من أطفال اليمن علاقتهم بالألعاب تغيرت وانقلبت رأسا على عقب كساعة رملية، بسبب الألغام المموهة الموجودة في الطرقات وبالقرب من المدارس والحدائق وكذلك في الحقول.
فالألغام في اليمن غزت حياة الأطفال وأتت على مساحة طفولتهم حرمتهم اللعب والمرح والصحة ونالت حتى من ألعابهم بعد أن دست فيها وموهت بطرق مبتكرة لتبدو على شاكلة ألعاب مغرية، وما إن يهرع لها طفل ما، حتى تنفجر بين يديه و تهشم في قلبه ووجدانه تلك الصورة الناصعة الجميلة والبريئة التي يحملها كل أطفال العالم حيال الألعاب.
وهذا تماما ما حدث مع الطفل اليمني فراس هزاع، ذي الأربع سنوات، ففراس كان يلعب ولاحظ على الأرض جسما خاله لعبة، فحث خطواته ليقلبه ويظفر به قبل أقرانه، وما كان من هذا الجسم المتستر تحت جناح الخداع والتموية، إلا أن انفجر في يد فراس التي بترت ٤ أصابع منها، وبذلك شوهت في ذاكرته صورة الألعاب للأبد.
فوبيا الألعاب
فبالكاد يتحدث فراس الصغير عما جرى له بعبارات طفولية متقطعة متلعثمة، فيقول في حديث لمكتب مسام الإعلامي: «وجدت شيئا جميلا على الأرض وظننته لعبة، فمسكته لألهو به فانفجر وقطع أصابعي.. لا أريد الألعاب أبدا ولا أريد أن تقطع يدي مرة ثانية..».
عبارات بريئة تكشف بعمق فداحة ما حل بهذا الطفل الصغير البريء وبشاعة جرائم الألغام في اليمن خاصة بحق الطفولة، فما ذنب فراس وغيره من الأطفال لتنكر لهم حتى ألعابهم ويستدرجوا للهلاك بطعم البراءة؟.
أفكار شيطانية ومآرب قبيحة ترتع في جحيمها الألغام، ويغرق بها وفيها ضحايا في اليمن بأبشع طرق الانتقام، ففراس أحد أطفال اليمن ممن فتكت بهم الألغام ظلما، وممن استباحتهم دون أي مبرر بسلاحها الأعمى الذي لا يرحم ولا يعترف بالقيم الإنسانية ولا يراعي للأبرياء عذرا ولا ظرفا.
واليوم يحمل فراس على جسده تشوها سيغير مجرى حياته، وفي قلبه خوف لا يغادره، لم يستطع تجاوزه رغم محاولات والده لمصالحته مع عالم الألعاب وإبراز أنها بريئة من كيد القتل والتنكيل بالأطفال، وأن المجرم الحق هو الألغام، لكن فراس مازال طفلا ولا يقدر عقله الصغير على ربط الأحداث وفهم الخلفيات والمآرب، لذلك يبقى فراس حذرا متوجسا من الألعاب حتى التي يجلبها له أبوه للبيت.
فحينما يقدم والده له لعبة ما، يتراجع فراس للوراء ينظر لها طويلا وكأنه يسترجع شريط آلامه، وهو يستمع لتطمينات وتشجيعات والده، التي تدفعه للاقتراب من اللعبة قليلا، فيلمسها من بعيد ثم يتراجع مسرعا وكأنه يختبر تجاوبها معه، ومن ثم يعود لحملها لكنه سرعان ما يلقيها على الأرض ليرى هل ستنفجر كما حدث معه سابقا أم لا، ثم تدفعه طفولته للاقتراب أكثر وهو يمسك بيد والده وكأنه يستمد منه الشجاعة لعدم الهروب مجددا من لعبته التي تبقى مخيفة بالنسبة له.
جدير بالذكر، أن فريق عمل مشروع مسام لنزع الألغام في اليمن، يعمل بشكل متواصل منذ منتصف العام 2018م على تطهير الأراضي اليمنية من الألغام، حيث تمكن الفريق حتى تاريخ اليوم من إزالة وتدمير أكثر من 390 ألف لغم مضاد للدبابات وألغام أفراد وعبوات ناسفة وذخائر غير منفجرة، من المناطق المحررة في اليمن، في الوقت الذي بلغت فيه إجمالي مساحة الأراضي التي تم تطهيرها 45,099,301 متر مربع.