لم يكن الكثيرون قد سمعوا من قبل عن حمدي عبدالرزاق، لكن «المكحل»، وهو اللقب الذي عرف به، كان مع مرور الساعات الماضية يحظى بالكثير من الاهتمام حتى لحظات مقتله وتحوله إلى رمز للحرية والكرامة في قصة شخص بسيط لم يعرف عنه الانتماء إلى أي حزب سياسي، استطاع أن يكسر حاجز الخوف في محافظة إب الواقعة وسط اليمن، والخاضعة لسيطرة المليشيا الحوثية القائمة على الوحشية ونشر الرعب والخوف في مناطق سيطرتها، والتي وجدت نفسها هذه المرة مسكونة بحالة الرعب عقب جريمتها في قتل «المكحل».
بدأت القصة بفيديوهات انتشرت لشخص لا يبدو أنه متحدث جيد ولا خطيب ثوري أو سياسي قادر أن يلهب حماس الجماهير، لكنه متحدث شجاع، فاخترقت كلماته البسيطة قلوب ملايين اليمنيين بطريقة عفوية وبصوت واضح، «أنا لا أخاف منكم»، وقال أيضا متحدياً «لن تستيطعوا إيقافي من انتقادكم إلا بطريقة واحدة أن تقتلوني، وأنا لا أخاف الموت».
ومنذ تلك اللحظة التي أطلق صرخته في وجه المليشيات الحوثية التي أخذت التحدي بمحمل الجد، ولم تتأخر في إعادته للمعتقل مرة أخرى، ولكن هذه المرة كانت النوايا واضحة أنها في طريقها للتخلص منه.
بدايته مع المعتقل
في 23 أكتوبر من العام الماضي، تفاجأ سكان مدينة إب بقطع الإنترانت عن أجزاء واسعة من المدينة القديمة بمديرية المشنة بمدينة إب عاصمة المحافظة، وكان ذالك الإجراء يشير إلى حدث جلل ومخطط مهم سوف تقدم عليه المليشيات الحوثية، وبدا أنها كانت في طريقها لاختطاف أحد شباب المدينة يدعى حمدي عبدالرزاق والملقب بـ«المكحل»، وبالتزامن كانت قد انتشرت عشرات الأطقم العسكرية المدججة بالأسلحة الثقيلة في محاصرة المدينة القديمة وقطع الطرق المؤدية إليها إلى جانب محاصرة الأحياء القريبة منها حي «الميدان والمجعارة وباب الجديد وباب سنبل» متسببة في حالة من الهلع والذعر في صفوف الأهالي.
ورغم محاولة المواطنين منع المليشيات الحوثية من اعتقال الشاب الثائر حمدي عبدالرزاق إلا أن الحملة أسفرت عن اعتقاله، ليمضي في المعتقل أكثر من خمسة أشهر وسط انتشار شعبية المكحل الذي تحول إلى رمز لثورة في طريقها لاقتلاع المليشيات الحوثية التي تحكم سيطرتها بالحديد والنار، في وقت كان قد التف حوله عشرات الشباب من أبناء محافظة إب مستلهمين من شجاعته طريق الخلاص من الظلم.
ثم ماذا؟
ومنذ ذلك التاريخ أخذ اسم المكحل يتردد في أرجاء اليمن عن قصة ثائر أرعب المليشيات الحوثية، وتسبب لها بحالة من الهلع والذعر، وأمام تنامي حالة الحدة والغضب من قبل الأهالي أُفرج عنه بعد خمسة أشهر من الإخفاء القسري في محاولة من المليشيات الحوثية لإظهار تماسكها -على حد تعبير أحد الأهالي هناك لصحيفة «عكاظ»، لكن فترة الاعتقال والتعذيب الذي تعرض لها المكحل في السجن لم تنجح في كسر إرادته ومقاومته، وأبدى الكثير من الشجاعة وعدم الخوف برفع سقف التحدي، وقال لهم ليس أمامكم سوى طريقة واحدة في إسكاتي هو أن تقتلوني، لم يدم الأمر طويلا، وبعد أيام من الإفراج عنه، عاودت المليشيات الحوثية اعتقاله ليكون الأحد الماضي هو اليوم الأسود لمدينة إب.
الأحد الأسود
عاشت خلالها مدينة إب حالة من الغضب الشعبي الواسع في كسر حاجز الخوف بشكل غير مسبوق، وتحولت مراسيم الجنازة والدفن، في توديع البطل الذي قدم حياته من أجل الكرامة والحرية -على حد وصف أحد رفاقه. ورافق مراسيم الدفن هتافات غاضبة ضد المليشيات الحوثية بشكل علني، وهو ما لم يحدث في المدينة، ووصف رفيق آخر للمكحل.. أن دماء الشهيد سوف تتحول وقوداً يضخ في عروق الشباب الحماس والشجاعة في مواصلة نهج المقاومة في وجه المليشيات الحوثية، بينما اعتبرها آخر أنها ستتحول إلى بركان يقتلع المليشيات الحوثية.
روايات أخرى
وقال لنا العديد من الأهالي إن قصة حمدي في مقاومة المليشيات الحوثية بدأت في وقت مبكر مع سيطرة المليشيات الحوثية على محافظة إب، وبدأت من خلال مجاهرته في رفض الصرخة التي يطلقها الحوثيون في الجامع القريب من منزله في حي الميدان بمدينة إب القديمة، ومعها أخذ العديد من الشباب يلتف حوله مشكلين قوة حقيقية أفشلت محاولات اعتقاله في العديد من المرات.
غضب الثوار ورعب المليشيات الحوثية
مع مراسيم التشيع والدفن انتشرت موجة الغضب العارمة في عموم أرجاء اليمن تحول معها المكحل إلى رمز يتخطى حدود المدينة ليعم اليمن، عموما قوبلت بتفاعل غير مسبوق في عموم وسائل الإعلام المحلية والتواصل الاجتماعي التي ضجت بالإشادة ببطولاته واعتباره ملهما للثوار والتضحية والشجاعة في مقاومة الظلم.
كانت موجة الغضب الذي شهدتها المدينة الأحد الماضي بمثابة إعلان مرحلة جديدة في المدينة تكتب قصتها الآن، وبدا السكان وهم يهتفون بشعار الموت للحوثي في مراسيم التشييع إنذرا بمرحلة عاصفة تنتظر المليشيات الحوثية وفي وصف لأحد رفاق المكحل لـ«عكاظ»، بأن المشيعين كانوا على يقين وهم يودعون رمز الثورة القادمة لمثواه، إنما دفنوا البذرة التي سوف تنبت من قبره وتزهر لتقتلع الطغيان والقتلة.
على إثر ذالك، فهمت جماعة الحوثي الرسالة وعاشت حالة من الهلع والذعر وراحت تقدم الروايات المتناقضة حول مقتل المكحل في محاولة منها لطمس الحقيقة.. حيث زعم بيان صادر عن إدارة الأمن بالمحافظة التي تسيطر عليها المليشيات الحوثية، أن المكحل لقي حتفه أثناء هربه من السجن بالسقوط من أسوار السجن، وبدت الرواية سمجة لا أحد قادر على تصديقها، وحملت تلك الرواية الكثير من التناقضات، وأظهرت حجم الخوف والتخبط الذي سيطر على المليشيات الحوثية، وعلق عليها أحد الناشطين: منذ متى أصلا قدمت المليشيات الحوثية بيانات حول الجرائم التي ارتكبتها بحق عشرات اليمنيين ومن أقدمت على تصفيتهم داخل السجون أو خارجها.
معلومات حصرية
بين كل الروايات حول مقتل الشاب اليمني الملقب بالمكحل، قال لنا مصدر حصري أن المليشيات الحوثية أقدمت على تصفية حمدي عبدالرزاق في المعتقل بعد احتدام الخلاف أثناء محاولة إرغامه على تقديم اعترافات مصورة لارتكابه جرائم لم يقم بها، لكنه رفض بشدة رغم حالة الضرب والاعتداء عليه والتسبب بمقتله.