-A +A
رياض منصور (بغداد) riyadmansour@
شهد الملف السياسي العراقي، خلال الأيام القليلة الماضية، سلسلة من المفاجآت غير المتوقعة قادت إلى إشعال نار الاتهامات السياسية تارة، وتلقي الأموال من خارج البلاد تارة أخرى، وهو ما ذهب إلى وصفه أحد البرلمانيين بأنها حرب «الضرب تحت الحزام» بين خصوم التيار الصدري من جهة، وتحالف الإطار التنسيقي من جهة أخرى.

المفاجآت تمحورت في عودة التيار الصدري إلى الأضواء السياسية من خلال ظهور وجه جديد في الملعب السياسي أطلق عليه جبهة «رفض»، وينتمي إليها أعضاء التيار الصدري، فيما تمثلت المفاجأة الثانية في تسريب وثائق تكشف عن تلقي قيادات من «الإطار التنسيقي» مبالغ مالية كبيرة من خارج الحدود، أما المفاجأة الثالثة والأخيرة فجاءت في التكتيك؛ الذي اتبعه زعيم التيار مقتدى الصدر في انسحابة وتياره من الحياة السياسية من دون أن يغادرها.


التيار الصدري وجه صفعة قوية لتحالف «الإطار التنسيقي» عندما برزت جماعة «رفض» المكونة من عناصر التيار، وأعلنت الإضراب الشامل للضغط على صناع القرار لإقرار سلم الرواتب؛ وهو الإضراب الذي حاول «الإطار» استغلاله لغايات انتخابية، إلا أنه سرعان ما انقلبت الأوضاع ضد هذا التوجه.

وكشفت المصادر أن مجموعة «رفض» التي تقاد سراً من القيادة الصدرية تفكر في خوض الانتخابات القادمة، وهو ما بدأت تلمح إليه أخيراً.

وتزامن هذا الحراك مع عزم مقتدى الصدر حصر أعداد مناصريه من خلال إعلانه عما يسمى «وثيقة الدم» التي كتبت بخط يد الصدر نفسه، وكان الأمر اللافت تفاعل أنصار الصدر الذين نظموا تجمعات للتوقيع بالدم على الوثيقة التي انخرطت فيها شخصيات غير صدرية.

وكان الصدر قد دعا أتباعه إلى توقيع وثيقة عهد بالدم للإخلاص، والسير على نهج أبيه المرجع الشيعي الراحل محمد محمد صادق الصدر؛ الذي اغتيل مع ولديه عام 1999، وذلك بعد نحو أسبوعين من قراره تجميد التيار الصدري لمدة عام على الأقل، لمحاربة من سماهم المفسدين داخل مفاصل التيار.

وليست هذه المرة الأولى التي يعلن فيها الصدر اعتزاله العمل السياسي؛ إذ أعلن ذلك في شهر أغسطس 2022 بعد اعتصام أنصاره داخل البرلمان، وأعمال عنف شهدتها المنطقة الخضراء.

وجاء إعلان اعتزاله العمل السياسي بعد قرار كان قد اتخذه قبل ذلك بشهرين، أعلن فيه انسحاب كتلته البرلمانية الفائزة بالمرتبة الأولى في انتخابات 2021 بحصولها على 73 مقعداً.

وفي هذا السياق، توقعت مصادر مقربة من الصدر لـ«عكاظ»، أن يصل عدد الموقعين على وثيقة الدم إلى حوالى 8 ملايين شخص على الأقل، واعتبرت أن طرح هذه الوثيقة يهدف إلى إعادة بنية التيار الصدري حتى يكون جاهزاً لأية فعاليات سياسية أو احتجاجية قادمة. لكن ربما يكون الأمر اللافت في الأزمة الناشبة بين التيار الصدري وتحالف الإطار، هو تراجع الأخير عن تبنيه قضية سلم الرواتب بعد تحرك التيار الصدري لنصرة هذه القضية، ما دفعه إلى اعتبارها شأناً حكومياً، على حد تعبيره، وتبرأ من مسؤوليته عن إكمال سلم الرواتب. وقال النائب عن «دولة القانون» رئيس اللجنة المالية عطوان العطواني: إن سلم الرواتب يتعلق بقرار من مجلس الوزراء.

وقبل ذلك كان العطواني قد أعلن عن دراسة اللجنة للقانون بالتزامن مع وصول الموازنة إلى مجلس النواب قبل أن يعود ويقول إن «الأمر مصادفة، وسلم الرواتب خارج الموازنة».

تصاعد أزمة سلم الرواتب تزامن مع إجراءات جديدة لزعيم التيار الصدري بعد أن منع السياسيين من غير تياره من حضور ذكرى اغتيال والده محمد صادق الصدر، التي من المفترض أن تجري بعد أيام، وفسر المنع على أنه دليل غضب الصدر على الطبقة السياسية، ورفضه ما يجري من سياسات فئوية وحزبية؛ بحسب ما قاله خطيب جمعة الصدر في الكوفة.

تيار عراقي جديد

برزت، خلال الأسبوع الماضي، منظومة جديدة في العراق أطلقت على نفسها «جماعة رفض» تزامناً مع التوقيع على وثيقة الدم؛ التي أصدرها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لحصر مدى ولاء والتفاف أنصاره حوله.

وأطلقت «رفض» من قبل مجموعة من النشطاء الشباب، وخلال أقل من 24 ساعة انضم إليها المئات من أنصار التيار الصدري دون معرفة الأسباب. ورفعت شعارات مشابهة لشعارات الصدر؛ التي تستهدف بطريقة غير مباشرة القوى المعارضة للتيار الصدري، معلنةً رفضها سيطرة لون واحد على القرار السياسي في البلاد.

ودشنت «رفض» أولى نشاطاتها بالدعوة إلى تظاهرات مطالبة مجلس النواب (البرلمان) بإقرار قانون سلم الرواتب، إلا أنها تعرضت لأول صدمة عندما أعلن «تحالف الإطار التنسيقي»؛ الذي يستخوذ على الأغلبية البرلمانية، أن سُلَّم الرواتب شأن حكومي وليس من صلاحيات البرلمان.

وسارعت قوى في الإطار التنسيقي إلى توجيه الاتهامات للتيار الصدري بتحريك التظاهرات من خلال «رفض» للقيام باحتجاجات ممنهجة ضد آلية عمل التحالف المهيمن على السلطة.

ولم يصدر عن التيار الصدري بعد أي تأكيد بتبنيه لمجموعة «رفض»، رغم أن الغالبية العظمى المكونة لها هم من أنصار التيار الذي يتزعمه مقتدى الصدر.