ساد الحذر في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية عشية «تمرد الـ24» الذي أعلنه قائد قوات فاغنر يفغيني بريغوجين، استناداً إلى النظرية الغربية التي ترى أن ما يقوم به الروس ما هو إلا تضليل لأدوار القوى الروسية ومحاولة خداع الناتو.
وبحسب الرسائل المتبادلة بين استخبارات الدول الغربية والقيادة العسكرية الأوكرانية، فإن الغرب طلب من أوكرانيا عدم التورط بأي عمل عسكري مضاد على الأراضي الروسية، إذ بقيت التحليلات الاستخباراتية تعتبر ما جرى يأتي في إطار «اللعبة» الروسية الغامضة مع الغرب.
فعلاً، من الصعب التكهن بحقيقة ما جرى، وأيضاً من الصعب الاعتماد على سيناريو واحد أو معطيات من جهة واحدة يمكن أن تفسر لنا حقيقة ما جرى بين قائد فاغنر والرئيس الروسي خلال الأيام الماضية، وكيف انتهت الأزمة دون قطرة دم واحدة، هل فعلاً هي مسرحية؟! أم هناك صراعات داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية الروسية؟.
ثمة تحليلات وتفسيرات لما جرى ليس على صعيد المعلومات بقدر ما هي محاولة لتسليط الضوء على بعض المعطيات التي تزيل بعض الغموض عن المشهد الروسي، وقصة تمرد الطباخ على الرئيس..
وربما من التساؤلات التي قفزت إلى الأذهان فجر (الأحد) حين انتشرت قوات فاغنر في مدينة روستوف العاصمة العسكرية للأقليات الروسية في أوكرانيا، هل أصيب طباخ الرئيس بالجنون وهو يتحدى أكبر الجيوش في العالم ويتحدى الرجل العنيد القادر على سحقه بساعات وإنهاء كل قوات فاغنر، نظراً للمقارنة الضعيفة بين الجيش الروسي وقوات التمرد؟، كيف لهذا الطباخ الذي يعرف مزاج القيصر أن يجرؤ على مثل هذه الخطوة القاتلة في لعبة الشطرنج الروسية؟
كانت الأسئلة هنا لا تحظى بإجابات مقنعة البتة، لذلك كانت فكرة المسرحية غالبة في هذه الناحية، إذ كل الأسئلة المطروحة لا جواب مقنعاً لها، ولا أحد يستطيع أن يتخيل هذا الحجم من الجرأة على رجل روسيا القوي.! أما السؤال الثاني في لغز فاغنر، هو السيطرة على كل تفاصيل التمرد، فالتمرد له من اسمه نصيب بمعنى أنه تمرد على واقع ينجم عنه تداعيات، أما تمرد الطباخ فهو الوحيد من نوعه الذي جرى بالريموت كونترول، خطوة بخطوة إلى أن انتهى كل شيء وغادر المتمرد مع متمرديه وانطوت صفحة الطباخ والرئيس. هنا نسأل، كيف نفذ الطباخ تمرداً عسكرياً وسيطرة على المؤسسات العسكرية في روستوف وباتت المدينة تحت سيطرته الكاملة، دون إراقة قطرة واحدة، فلو كان مشهداً من فيلم لأصيب أحد العاملين بجروح خلال تمثيل كل هذه المشاهد، كانت السيطرة في إنتاج مشهد التمرد الكامل دقيقة 100% لا تقبل الخطأ البشري إطلاقاً، وهنا أيضاً ظهرت تساؤلات، كيف ينجو بريغوجين وعناصره من قبضة بوتين الرهيب، هذه رواية تحديداً يصعب تصديقها في حضرة الرئيس فلاديمير بوتين!
ثمة تحليلات استخباراتية لا بد أخذها بعين الاعتبار، وهي الشكوك التي تساور بوتين على مستويات عالية في الأجهزة الأمنية والجيش، هذه الشكوك تقول إن ثمة من يخطط من داخل المؤسسة العسكرية للانقلاب على السلطة ووقف الحرب في أوكرانيا، وكان يجب أن يكون هناك مركز استقطاب لأي تمرد ووقع الاختيار على فاغنر وقائدها، إلا أن شيئاً لم يحدث من هذا وتأكد بوتين أن مستوى التخطيط ضد حكمه صفر على الرغم من كل الانتقادات في روسيا حول إدارة الحرب في أوكرانيا، ومثل هذه الاختبارات تحتاج إلى اختبار صعب من وزن قائد فاغنر.
من روستوف إلى مينسك
الزاوية الأخيرة التي يمكن أن نرى من خلالها قصة فاغنر، من خلفية التصريحات الأخيرة للرئيس البيلاروسي لوكاشينكو.
وبعد أن أعلن استقبال قائد فاغنر، ثمة تصريحات يجب التوقف عندها، فالرئيس البيلاروسي الذي طالما اتهم بريغوجين بمحاولة زعزعة استقرار بلاده، تحول إلى فرصة للاستفادة من قواته التي وصلت إلى مينسك.
لوكاشنكو قال إن مستقبل «فاغنر» ومشوارها القتالي لم ينتهِ، ورأى أن قادة فاغنر الذين يتمتعون بقدرة وتجربة قتالية قد ينقلون خبراتهم هذه إلى القوات البيلاروسية.
وتابع: «سيخبروننا عن الأسلحة.. وأي منها يعمل بشكل جيد في ساحات القتال، وأيها لا يعمل، فضلاً عن بعض التكتيكات ونوعية الأسلحة وغيرها»، معتبراً أن تلك الخبرات لا تقدر بثمن.
وفي حال فعلاً استوطنت فاغنر وقائدها في مينسك، فهذا يعني أنها ما تزال في موسكو وبيد الرئيس بوتين، فالمسافة بين موسكو ومينسك صفر، أما وصاية الكسندر لوكاشينكو على المجموعة المقاتلة، ما هي إلا وصاية وكيل للشركة الأم في روسيا.
لكن لماذا كل هذا يحدث من أجل نقل فاغنر إلى بيلاروسيا؟! هل يحتاج الأمر إلى كل هذا؟ هناك من يقول إن انتقال قوات فاغنر إلى الجهة الشمالية من أوكرانيا، سيكون له تداعيات أمنية على العمق الأوكراني من الجهة الشمالية حيث الحدود مع بيلاروسيا، إذ طالما كانت هذه الجبهة محط الجدل والصراع الغربي الروسي، وقد حذرت الدول الغربية بيلاروسيا من أي محاولة للمشاركة بشكل مباشر أو غير مباشر في الحرب الروسية الأوكرانية، لكن في حال وجود قوات فاغنر في مينسك، فإنها بشكل أو بآخر قادرة على العمل من الجبهة الشمالية إلى أوكرانيا، خصوصاً من خلال القيام بأعمال خاصة على الأرض الأوكرانية.
وبهذا التفسير البعيد أيضاً يمكن قراءة المشهد الروسي من زاوية الخلافات الداخلية، إذ تحتاج روسيا إلى توسيع الثغرات لإضعاف القوة الأوكرانية المدعومة من الناتو.
ورغم كل التفسيرات والمقاربات السابقة، إلا أن الأيام القادمة ستحمل مفاجآت من بيلاروسيا التي باتت الحصن المنيع لقوات فاغنر، وستكون الضغوطات الغربية باهظة الثمن على لوكاشينكو، باعتبار أن «فاغنر» مصنفة منظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة.
وبحسب الرسائل المتبادلة بين استخبارات الدول الغربية والقيادة العسكرية الأوكرانية، فإن الغرب طلب من أوكرانيا عدم التورط بأي عمل عسكري مضاد على الأراضي الروسية، إذ بقيت التحليلات الاستخباراتية تعتبر ما جرى يأتي في إطار «اللعبة» الروسية الغامضة مع الغرب.
فعلاً، من الصعب التكهن بحقيقة ما جرى، وأيضاً من الصعب الاعتماد على سيناريو واحد أو معطيات من جهة واحدة يمكن أن تفسر لنا حقيقة ما جرى بين قائد فاغنر والرئيس الروسي خلال الأيام الماضية، وكيف انتهت الأزمة دون قطرة دم واحدة، هل فعلاً هي مسرحية؟! أم هناك صراعات داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية الروسية؟.
ثمة تحليلات وتفسيرات لما جرى ليس على صعيد المعلومات بقدر ما هي محاولة لتسليط الضوء على بعض المعطيات التي تزيل بعض الغموض عن المشهد الروسي، وقصة تمرد الطباخ على الرئيس..
وربما من التساؤلات التي قفزت إلى الأذهان فجر (الأحد) حين انتشرت قوات فاغنر في مدينة روستوف العاصمة العسكرية للأقليات الروسية في أوكرانيا، هل أصيب طباخ الرئيس بالجنون وهو يتحدى أكبر الجيوش في العالم ويتحدى الرجل العنيد القادر على سحقه بساعات وإنهاء كل قوات فاغنر، نظراً للمقارنة الضعيفة بين الجيش الروسي وقوات التمرد؟، كيف لهذا الطباخ الذي يعرف مزاج القيصر أن يجرؤ على مثل هذه الخطوة القاتلة في لعبة الشطرنج الروسية؟
كانت الأسئلة هنا لا تحظى بإجابات مقنعة البتة، لذلك كانت فكرة المسرحية غالبة في هذه الناحية، إذ كل الأسئلة المطروحة لا جواب مقنعاً لها، ولا أحد يستطيع أن يتخيل هذا الحجم من الجرأة على رجل روسيا القوي.! أما السؤال الثاني في لغز فاغنر، هو السيطرة على كل تفاصيل التمرد، فالتمرد له من اسمه نصيب بمعنى أنه تمرد على واقع ينجم عنه تداعيات، أما تمرد الطباخ فهو الوحيد من نوعه الذي جرى بالريموت كونترول، خطوة بخطوة إلى أن انتهى كل شيء وغادر المتمرد مع متمرديه وانطوت صفحة الطباخ والرئيس. هنا نسأل، كيف نفذ الطباخ تمرداً عسكرياً وسيطرة على المؤسسات العسكرية في روستوف وباتت المدينة تحت سيطرته الكاملة، دون إراقة قطرة واحدة، فلو كان مشهداً من فيلم لأصيب أحد العاملين بجروح خلال تمثيل كل هذه المشاهد، كانت السيطرة في إنتاج مشهد التمرد الكامل دقيقة 100% لا تقبل الخطأ البشري إطلاقاً، وهنا أيضاً ظهرت تساؤلات، كيف ينجو بريغوجين وعناصره من قبضة بوتين الرهيب، هذه رواية تحديداً يصعب تصديقها في حضرة الرئيس فلاديمير بوتين!
ثمة تحليلات استخباراتية لا بد أخذها بعين الاعتبار، وهي الشكوك التي تساور بوتين على مستويات عالية في الأجهزة الأمنية والجيش، هذه الشكوك تقول إن ثمة من يخطط من داخل المؤسسة العسكرية للانقلاب على السلطة ووقف الحرب في أوكرانيا، وكان يجب أن يكون هناك مركز استقطاب لأي تمرد ووقع الاختيار على فاغنر وقائدها، إلا أن شيئاً لم يحدث من هذا وتأكد بوتين أن مستوى التخطيط ضد حكمه صفر على الرغم من كل الانتقادات في روسيا حول إدارة الحرب في أوكرانيا، ومثل هذه الاختبارات تحتاج إلى اختبار صعب من وزن قائد فاغنر.
من روستوف إلى مينسك
الزاوية الأخيرة التي يمكن أن نرى من خلالها قصة فاغنر، من خلفية التصريحات الأخيرة للرئيس البيلاروسي لوكاشينكو.
وبعد أن أعلن استقبال قائد فاغنر، ثمة تصريحات يجب التوقف عندها، فالرئيس البيلاروسي الذي طالما اتهم بريغوجين بمحاولة زعزعة استقرار بلاده، تحول إلى فرصة للاستفادة من قواته التي وصلت إلى مينسك.
لوكاشنكو قال إن مستقبل «فاغنر» ومشوارها القتالي لم ينتهِ، ورأى أن قادة فاغنر الذين يتمتعون بقدرة وتجربة قتالية قد ينقلون خبراتهم هذه إلى القوات البيلاروسية.
وتابع: «سيخبروننا عن الأسلحة.. وأي منها يعمل بشكل جيد في ساحات القتال، وأيها لا يعمل، فضلاً عن بعض التكتيكات ونوعية الأسلحة وغيرها»، معتبراً أن تلك الخبرات لا تقدر بثمن.
وفي حال فعلاً استوطنت فاغنر وقائدها في مينسك، فهذا يعني أنها ما تزال في موسكو وبيد الرئيس بوتين، فالمسافة بين موسكو ومينسك صفر، أما وصاية الكسندر لوكاشينكو على المجموعة المقاتلة، ما هي إلا وصاية وكيل للشركة الأم في روسيا.
لكن لماذا كل هذا يحدث من أجل نقل فاغنر إلى بيلاروسيا؟! هل يحتاج الأمر إلى كل هذا؟ هناك من يقول إن انتقال قوات فاغنر إلى الجهة الشمالية من أوكرانيا، سيكون له تداعيات أمنية على العمق الأوكراني من الجهة الشمالية حيث الحدود مع بيلاروسيا، إذ طالما كانت هذه الجبهة محط الجدل والصراع الغربي الروسي، وقد حذرت الدول الغربية بيلاروسيا من أي محاولة للمشاركة بشكل مباشر أو غير مباشر في الحرب الروسية الأوكرانية، لكن في حال وجود قوات فاغنر في مينسك، فإنها بشكل أو بآخر قادرة على العمل من الجبهة الشمالية إلى أوكرانيا، خصوصاً من خلال القيام بأعمال خاصة على الأرض الأوكرانية.
وبهذا التفسير البعيد أيضاً يمكن قراءة المشهد الروسي من زاوية الخلافات الداخلية، إذ تحتاج روسيا إلى توسيع الثغرات لإضعاف القوة الأوكرانية المدعومة من الناتو.
ورغم كل التفسيرات والمقاربات السابقة، إلا أن الأيام القادمة ستحمل مفاجآت من بيلاروسيا التي باتت الحصن المنيع لقوات فاغنر، وستكون الضغوطات الغربية باهظة الثمن على لوكاشينكو، باعتبار أن «فاغنر» مصنفة منظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة.