فيما تكرّس الولايات المتحدة طاقاتها للتصدي لروسيا والصين، يبدو أن علاقاتها مع إيران آخذة في التدهور. وهو ما يستشف من قرار واشنطن إرسال حاملة الجنود والطائرات (بانات) إلى الخليج، وسرب من مقاتلات ستيلث (إف - 35)، وطائرات حربية أخرى. ويأتي هذا التطور في وقت يعتقد أن إيران وصلت فيه إلى مرحلة من تخصيب اليورانيوم قريبة من الدرجة التي تتيح صنع قنبلة نووية. ولا تلوح في الأفق أية بادرة على أن بالإمكان إحياء الاتفاق النووي مع إيران الذي تم التوصل إليه في سنة 2017. وتتهم واشنطن طهران بمضايقة السفن التجارية وناقلات النفط في مضيق هرمز، الذي تعبره نحو 20% من النفط. وترى إيران، بحسب أسوشستد برس أمس، أن تصرفاتها تهدف لتخويف دول المنطقة، في سياق موجة من الاعتداءات التي نسبت إلى إيران منذ سنة 2019. وتعمل الولايات المتحدة على اعتبار حرية الملاحة في مضيق هرمز في صدارة أولوياتها، لأن تدفق إمدادات النفط بحرية من شأنه كبح ارتفاع أسعار النفط، خصوصاً أن الغزو الروسي لأوكرانيا يفرض ضغوطاً مكثفة على الأسواق العالمية. وظل البنتاغون حريصاً منذ هجمات 11 سبتمبر 2001 على أن تكون هناك حاملتا طائرات على الأقل في مياه الخليج، لتوفير مقاتلات للحرب في أفغانستان والعراق، وأخيراً للحرب على تنظيم داعش. لكنه قرر سحبهما اعتباراً من نوفمبر 2020. ويأتي ذلك بعد تغير أولويات واشنطن، جراء الحرب في أوكرانيا، ولضرورة مواجهة الصين في بحر الصين الجنوبي. لكنها عمدت إلى تعزيز وجودها في الشرق الأوسط مجدداً. وأرسلت في مارس الماضي سرباً من طائرات إيه - 10 ثندربولت، علاوة على إرسال المدمرة الأمريكية يو إس إس ثوماس هدنر. وأرسلت الأسبوع الماضي مقاتلات إف - 35 إيه، القادرة على التخفي من الرادارات المعادية. وقررت الولايات المتحدة للمرة الأولى منذ نحو سنتين أن تكون لديها وحدة بحرية في الخليج، تضم آلاف المارينز والبحارة على متن المدمرتين باتان وكارتر هيل، اللتين غادرتا نورفولك بولاية فرجينيا في 10 يوليو الماضي. وقالت وزارة الدفاع الأمريكية، إن ذلك يأتي رداً على محاولات إيران تهديد التجارة في مضيق هرمز والمياه المحيطة به. وقالت وزارة الدفاع، إن المدمرة بانات عبرت مضيق جبل طارق، ودخلت مياه البحر الأبيض المتوسط، في طريقها إلى الخليج. ودعت تلك التحركات وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان إلى الاتصال بنظيريه الكويتي والإماراتي، ليبلغهما أن بإمكاننا إحلال السلام والاستقرار والتقدم في المنطقة من دون حاجة إلى ما سماه «وجود الأجانب». وقال قائد الجيش الإيراني الجنرال عبدالرحيم موسوي، إن قيام الولايات المتحدة بنشر قوات في الخليج لن يأتي بشيء سوى عدم الأمان والضرر. وردت إيران بعرض صاروخها البالستي «أبو مهدي»، القادر على استهداف سفن تبعد نحو ألف كيلومتر. وفي ظل جمود المساعي الدبلوماسية، ورغبة إيران في استمرار العدائيات مع الولايات المتحدة، يبدو أن واشنطن قررت التعويل على قوتها العسكرية والبحرية لإقناع إيران بالتخلي عن تصرفاتها العدائية لواشنطن.