في آخر تصريح له قبل أيام قال رئيس مجلس النواب نبيه برّي إنه في بداية العام 2024 سيكون شغله الشاغل انتخاب رئيس للجمهورية، بري اختصر العام 2023 لبنانياً بهذا التصريح المقتضب.
لا يختلف اثنان من اللبنانيين على أنّ العام 2023 هو عام الشغور والتمديد، حيث النتيجة واحدة مفادها العجز في الماكينة السياسية اللبنانية أو بعبارة مختصرة: هو الفراغ.
أبرز الشغور في العام 2023 جاء في ثلاثة مواقع:
1- موقع رئاسة الجمهورية: لم ينجح البرلمان اللبناني طوال عام كامل ومعه بضعة أشهر على انتخاب رئيس للجمهورية، الجلسات المتعددة حملت عدداً من المرشحين أمثال ميشال معوض ونبيل خليفة وسليمان فرنجية وجهاد أزعور وجوزف عون. إلا أنّ أيّاً من هؤلاء المرشحين لم يحظَ بتوافق بين القوى السياسية وحتى الإقليمية والدولية، فسكن الفراغ قصر الرئاسة في بعبدا، وبركة الماء عند مدخل القصر أُطفئ محركها وما زال.
2- حاكم مصرف لبنان: للمرّة الأولى في التاريخ اللبناني تنتهي ولاية حاكم مصرف لبنان. وهو أعلى منصب مالي في الدولة ليخرج الحاكم السابق رياض سلامة إلى مكان مجهول دون أن تُعيّن حكومة تصريف الاعمال حاكماً جديداً، فيستلم نائب الحاكم وسيم منصوري إدارة المصرف المركزي بالإنابة ما شكّل سابقة كون هذا الموقع هو للطائفة المارونية فيما منصوري من الطائفة الشيعية.
3- مدير الأمن العام: انسحب الشغور على موقع مدير الأمن العام فأُحيل المدير السابق اللواء عباس إبراهيم إلى التقاعد، ولم تتمكن الحكومة من التمديد له بسبب التجاذب السياسي فعيّن اللواء إلياس البيسري مديراً بالإنابة.
بالمقابل، كان التمديد في عام 2023 علاجاً مبتكراً عند الطبقة السياسية والدينية كوجه آخر لعملة الفراغ فجاء في 3 مواقع رئيسية:
1- مفتي الجمهورية: جرى التمديد لمفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان خوفاً من الفراغ في المركز الديني الأول للطائفة السُنّية ومنعاً لوصول مفتٍ جديد لا يحظى بالتوافق السياسي اللبناني.
2- قيادة الجيش: مُدّد لقائد الجيش العماد جوزف عون بعد رفض القوى المسيحية تعيين قائد جديد للجيش وسط شغور موقع رئاسة الجمهورية ورفضاً لتسلم قيادة الجيش لضابط بالإنابة.
3- قيادة قوى الأمن الداخلي: مُدّد للمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان لحماية التمديد لقائد الجيش من الطعن الدستوري كون الدستور اللبناني يرفض تعديل أي قانون يستفيد منه شخص واحد.
الشغور والتمديد يمثل الفراغ والاهتراء اللبناني الذي يأتي مواكباً في الذكرى الـ100 لإعلان دولة لبنان الكبير. هو ترجمة حرفية للاهتراء السياسي ولفشل الطبقة السياسية في إدارة الأمور ورعاية الانتقال في السلطة.
قوى المعارضة تُحمّل قوى الممانعة التي يقودها حزب الله مسؤولية هذا الاهتراء. فيما قوى الممانعة ترى في هذا الفراغ مسؤولية سياسية على قوى المعارضة التي ترفض معها الحوار بسبب امتلاكها السلاح خارج المؤسسات الأمنية والعسكرية للدولة اللبنانية.
هو صراع البيضة والدجاجة بين منظومة سياسية بشقيّها الممانع والمعارض، التي لم ينجح حراك 17 تشرين في إسقاطها، لا بل دخل معها في شراكة بكل شيء حتى بات متكاملاً معها إن لم يكن نسخة سيئة منها.
الفراغ لم يقتصر على الحياة السياسية بل شمل الاقتصاد، فخزينة الدولة فارغة، والليرة فرُغت من قيمتها، وجيوب اللبنانيين الذين ضاعت حساباتهم المصرفية فارغة لا تلوي على شيء.
هي العلّة اللبنانية بكل تفاصيلها، علّة لا يبدو أنّ دواءً قريباً سيؤمّن لها حيث الكل يفتقد للقدرة على الحل، فيما الكل يمتلك القدرة على التعطيل. إنه لبنان 2023 حيث لا يبقى للبنانيين إلا أمل ضئيل جداً وأمنيات باهتة أن يكون العام 2024 عام الفرج. والفرج في الدول والمنظومات السياسية والاقتصادية لا يأتي بالآمال والدعاء بل بالإرادة والرؤية العلمية وهما أمران يفتقد لهما لبنان وشعبه المسكين.
اعتاد اللبنانيون أن يقولوا عندما تُذكر الحرب الأهلية أمامهم «تنذكر وما تنعاد»، المقولة نفسها لا بدّ للبنانين أن يقولوها عن العام 2023 «ينذكر وما ينعاد».