عبدالرحمن فقيه
عبدالرحمن فقيه
-A +A
عبدالله بن صالح آل سالم
النَّحت على الصخور:

من دكان صغير في مكة المكرمة، لا تتجاوز مساحته بضعة أمتار مربعة، إلى التربُّع على قمة المال والأعمال، يقف الشيخ عبدالرحمن بن عبدالقادر فقيه، شامخاً يناهز عتبة التسعين، كقصيدة ملحمية وطنية فريدة، مترعة بعبق هذا الوطن المعطاء الغالي، الذي ليس كمثله في الكون وطن، إذ خص الله أهله بأول بيت وضع للناس في الأرض، وشرَّفهم بخدمته ورعايته وخدمة ضيوفه من حجاج ومعتمرين وزوَّار، كما شرَّفهم بأن جعل آخر رسله، الذي أرسله رحمة للعالمين كافة، منهم.


نشأ الشيخ عبدالرحمن فقيه في بيئة صعبة، شأنه شأن أبناء جيله، وعاش حياة صعبة أجبرته على ترك الدراسة، غير أنه تعلم منها ما لا يمكن لكثيرين أن يتعلموه اليوم في أرقى جامعات العالم. بعد أن تعلم فك الخط في كتَّاب المسجد، ترك الشيخ عبدالرحمن الدراسة ليساعد والده في دكانه الصغير في بيع الأصباغ والخيوط الحريرية والقطنية والقصب والتَّرتر بالتجزئة، بعد الحصول عليها من المورِّد المحلي، وكان العمل شاقاً مجهداً متصلاً طيلة النهار، يبدأ بصلاة الفجر وينتهي بصلاة العشاء.

لكن نفس الشيخ عبدالرحمن فقيه التواقة وهمته العالية وحبه المترع لقومه ووطنه ووفائه لأسرته وبره بوالديه، إضافة إلى ذكائه واستعداده الفطري للتميز والإبداع، وحرصه الشديد على أن تكون له بصمته الخاصة في كل عمل يضطلع به، لا تشبه بصمة الآخرين، إضافة إلى تلك القيم الاجتماعية السامية، التي تشربت بها نفسه من مروءة وشهامة وإباء واحترام الصغير للكبير وعطف الكبير على الصغير واحترام الجار والإحسان إليه؛ وقبل هذا وذاك، ثقته المطلقة بعون الله وإيمانه العميق به، إذ يردد دائماً قول الحق عزّ وجلّ: (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله). وقناعته بالقضاء والقدر، حيث يقول: (إنني أعلم أن ما هو مكتوب لي أو عليَّ، سيقضي به الله لا محالة)، متمثلاً نصيحة سيد الخلق عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، لعبدالله بن عباس رضي الله عنه: (... واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك)؛ أقول، بناءً على ما تقدم وغيره كثير مما لا يسع المجال لسرده عن هذا العَلَم الوطني الفذ، طوَّر الشيخ عبدالرحمن فقيه نفسه، وتعلم الإنجليزية وتواصل مع العالم الخارجي بلغته، فتحول من زبون لأحد الموردين المحليين، إلى مستورد رئيسي لبضاعته التي كان يبيعها بقرشين وثلاثة قروش. وهكذا فتح الله بصيرته وهيأ له الأسباب، فوظّف ما وهبه الله من مميزات شخصية وتفكير متقدم، ليتحول من تاجر في دكان صغير يبيع بقرشين وثلاثة قروش، إلى قدوةِ رجال الأعمال ومن أبرز الرموز الاقتصادية النابهة في بلادنا، ومثالٍ يحتذى لطالبي النجاح في الأعمال الكبيرة والمشروعات العملاقة المتميزة لأكثر من نصف قرن.

لقد أدرك الشيخ عبدالرحمن فقيه باكراً ماذا يريد، فعمل بجد واجتهاد وإتقان، حتى حقَّق هذه الإمبراطورية العملاقة من الأعمال المتميزة المتنوعة. فأسس مزارع فقيه للدواجن، التي تعد اليوم أكبر مؤسسة فردية متكاملة لإنتاج الدواجن والبيض على مستوى العالم، فأصبح بذلك أول من أدخل صناعة الدواجن الحديثة في البلاد باعتراف دولي، منحها أربع شهادات من (الأيزو). إضافة إلى سلسلة مطاعم الطازج، التي تعد أيضاً أول سلسلة وجبات سريعة على مستوى عالمي منشؤها المملكة. وهكذا قدَّم الشيخ عبدالرحمن فقيه أفضل أنواع الدجاج والأطعمة لمجتمعه. ثم توالت النجاحات، فكان من أوائل من طرق باب التطوير العقاري، فكانت شركة مكة للإنشاء والتعمير، مشروع تطوير جبل عمر، مدارس عبدالرحمن فقيه النموذجية بمكة المكرمة والمشروعات السياحية العملاقة في جدة؛ إضافة إلى مجموعة فقيه للمشاريع الزراعية، التي تضم بجانب مزرعة الدواجن، مزارع أخرى للتمور؛ إلى غير ذلك من مشروعات اقتصادية واجتماعية عديدة، فتحول الشيخ عبدالرحمن فقيه من تاجر يبيع الأصباغ والخيوط والعقل والتَّرتر بقرشين وثلاثة قروش، إلى مؤسسة ورئيس مجلس إدارة وعضو في أكثر من خمس وعشرين مؤسسة.

وصفة النّجاح:

يرى الشيخ الوجيه عبدالرحمن فقيه، أن أسباب النجاح، بجانب الإيمان بالله والثقة به والتوكل عليه والاستعانة به سبحانه وتعالى في كل صغيرة وكبيرة، تكمن في مخافة الله والصدق والأمانة والتسامح والرقي في التعامل والوفاء بالعهود والعمل الدؤوب، والنظر إلى حاجة المستهلك والإبداع في كسب رضائه والمنافسة الشريفة، والتميز في العمل وعدم تقليد الآخرين في ما يمارسونه من أعمال والقناعة بالربح المعقول.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الشيخ عبدالرحمن فقيه، رفض زيادة سعر الدجاج عندما أصيب جميع الدجاج في مكة المكرمة تقريباً، ما عدا دجاج مزارعه، بمرض قضى عليه. فرأى الشيخ الوجيه فقيه، أن من دواعي شكر الله ثم وفائه لمجتمعه، ألَّا يزيد السعر، بصرف النظر عن ندرة المنتج المعروض للبيع.

إضافة إلى توظيف العلم والاستعانة بأصحاب الخبرة والتجربة والمشورة والثقة في العاملين معه؛ ولهذا استثمر المال في الإنفاق على الأبحاث العلمية والتعليم، فأسس (مركز فقيه للأبحاث والتطوير). ويلخص الشيخ عبدالرحمن فقيه هذا كله في مقولته الجامعة: (الحياة لا تبتسم إلَّا لمن يجتهد ويتعب ويتوكل على الله في البحث عن الأفضل بكل الطرق الأخلاقية الشريفة المتاحة أمامه). ويؤكد ذلك الشيخ صالح كامل، شيخ تجار جدة في كتابه الرائع الذي وثَّق فيه مسيرة الشيخ عبدالرحمن فقيه، إذ يقول: (طوَّر الشيخ الوجيه عبدالرحمن فقيه الواقع، وعمل على تحسينه من أجل إسعاد الناس... فهو يتاجر من أجل توفير احتياجات البسطاء ولا يتاجر بهم). وقطعاً لن ننسى تواضع الشيخ عبدالرحمن فقيه الجَّم، الذي يُعد أيضاً إحدى وصفات النجاح المهمة في دنيا المال والأعمال، بل قل في كل عمل مهما صغر أو كبر؛ إذ يقول عمَّن امتدحوا تجربته أو كتبوا عنه، شاكراً ومقدراً: (اللهم اجعلني خيراً مما يقولون، ولا تؤاخذني بما يقولون، واغفر لي ما لا يعلمون).

المواطنة المسؤولة:

بالطبع، كان الوطن حاضراً دائماً في ذاكرة هذا الرجل الكبير عبدالرحمن فقيه، الذي يُعد اليوم أحد أبرز أعمدة الاقتصاد الوطنية في القطاع الخاص، ولهذا تجد له اليوم إنجازات عديدة، تجل عن الوصف والحصر، في مجال البر والخير، من رعاية اليتامى وأصحاب الحاجات الخاصة والمحتاجين من طلبة العلم. ويكفي أن أشير هنا فقط لـ(مدارس فقيه النموذجية) المتميزة في مكة المكرمة، التي تُعد اليوم بحق نموذجاً فريداً لمدرسة المستقبل العصرية التي حول فيها الشيخ عبدالرحمن فقيه مفهوم العلم من أصباغ الأقمشة اليدوية البدائية، إلى معامل ومختبرات علمية حديثة بمواصفات عالمية، بشهادة الأمير خالد الفيصل، مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة، الذي عرف بصراحة والده الملك فيصل رحمه الله في قول الحق وعدم المجاملة لأي اعتبارات، الذي قال عنها عندما شرفها بالافتتاح: (إنها مدارس مميزة، أنشأها رجل مميز، في بلد مميز، يستحق منَّا الشكر والتقدير المميز). ومن أفصح من الفيصل لساناً وأوضح بياناً؟

والحقيقة كل من عرف تلك المدارس عن قرب، لا بد أن يكون قد وجدها حقاً فريدة مميزة، اهتمت بالتأكيد على أهمية ثقافة العمل الجماعي والاجتماعي.

أما في مجال السياحة، فقد استثمر الرجل النابه المخلص لقيادته وبلاده ومجتمعه، بذكاء منقطع النظير، فقدم للسياحة مشروعات عملاقة من خلال (مجموعة فقيه للمشاريع السياحية)، ليوفر المتعة لأكبر عدد ممكن من المواطنين والمقيمين على حد سواء، وحتى السياح الزائرين من مختلف بلدان الدنيا، تعكس الوجه الحضاري المتقدم لبلاد الخير. ويحرص دائماً أن تكون استثماراته داخل وطنه ليعمل فيها المواطنون، ويستمتعوا بها، ويستفيدوا منها في الوقت نفسه. وحقاً، لا أعرف للرجل المخلص الوجيه الشيخ عبدالرحمن فقيه، أي استثمارات خارج البلاد، في السياحة أو غيرها.

وهكذا نجده يؤكد دائماً: «أنا أعمل لبلدي كما أعمل لنفسي، ولا أنظر إلى الربح السريع، بقدر ما أنظر إلى أن يكون ما أقدمه لبلدي عملاً متقناً مميزاً، يكون لنا وللأجيال القادمة من بعدنا، حتى إن كان استثماراً اقتصادياً». كما نجد أن الوطن حاضر دائماً حتى في تجارة الرجل النزيه الشيخ عبدالرحمن فقيه، إذ يقول: «صحيح أنني تاجر يبحث عن الربح في تجارته، لكنني في الوقت نفسه، مقتنع بأنه لا خسارة لأي استثمار واعٍ في الوطن الذي له حق وواجب علينا».

وبالفعل، وفّرت مشروعاته العملاقة مئات آلاف الوظائف للمواطنين والمقيمين. ولم يشغله هذا الجهد المتصل ليل نهار عن أسرته، فربى أبناءه كأحسن ما يربي والد ولده. فكافأه وطن الوفاء والعطاء، ومنحه العديد من أرفع الأوسمة وميداليات الاستحقاق وشهادات التقدير المثالية.

والحقيقة، الحديث عن هذا العَلَمْ البارز الرمز الاقتصادي الوجيه الشيخ عبدالرحمن بن عبدالقادر فقيه، لا يكاد يأذن بنهاية. وعليه، أختمه بنصيحته العصامية الذهبية، التي وجهها لشبابنا من هذا الجيل والأجيال اللاحقة: «اعلموا أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة. وتذكروا جيداً أن آباءكم قد ناضلوا من أجل كل كتاب وكل درس، وكافحوا من أجل كل قطرة حبر حتى اختلط الحبر بالعرق».

أما مناشدتي للشباب: «تعلموا من تجربة بالشيخ الوجيه عبدالرحمن فقيه وأمثاله من عصاميي بلادنا، والذي مازال يقود سفينة الخير القاصدة في التخطيط للمشروعات الجديدة الذكية النافعة وإدارة دفة العمل بكل كفاءة واقتدار حتى وقتنا الحاضر ويوجه أبناءه الكرام طلال وطارق وعبدالقادر ومحمود والعاملين لديه بالمجموعة بهمة الشباب، فاالاقتداء بالرجال فلاح ونجاح وصلاح». وشكراً لكم أيها الشيخ الجليل الوجيه عبدالرحمن فقيه، على كل ما أسديتموه للوطن وللمجتمع من خدمة متميزة، كتميز شخصكم الكريم حقاً، سيظل الوطن يقدرها لكم دوماً عبر الزمن.