-A +A
علاء الدين عبدالرحيم (جدة)
alaabdalrhim@

قسمات وجهه توحي بمكنونات حزينة، على رغم المرح والبشاشة البادية عليه، فالسعي وراء لقمة العيش في وظيفة تناسب إمكاناته ومؤهلاته أرهقه حد اليأس، ولم يجد بدا من تحدي الظروف وكسر حاجز التوجس من العمل في مهنة هامشية بسيطة، فهي على الأقل ستوفر له ما يعينه وأسرته على متطلبات الحياة، فاختار أن يكون عامل يومية في المباني بدلا من لاشيء.


لم تتوقف طموحات «عباس علي» عند حصوله على بكالوريوس التقنية تخصص ميكانيكا إنتاج من جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، إذ أكمل دبلوما عاليا في المحاسبة من جامعة أم درمان، ليجد نفسه واقفا على أبواب الغربة بطموحات كبيرة، ربما فاقت ما هو متاح، قبل سفره، عمل أمين مستودعات في مكتب تخليص تابع لمطار الخرطوم الدولي، ومندوب مبيعات في كبرى الشركات السودانية، غير أن كل هذه الخبرات لم تعينه على قسوة العمل باليومية، الذي لم يجد فيه سوى صبة خرسانية اتخذ منها متكأ، متوسدا حقيبة ملابسه الصغيرة كوسادة يضع عليها رأسه بعد إرهاق يوم طويل، متقافزا على «السقالة» صعودا وهبوطا ليوصل المونة لمعلم المباني. يرفع حاجبيه، ويتمتم: «لم أتوقع يوما أن أعمل في هذه المهنة، لأني طوال حياتي أعمل على تحصيل شهادات دراسية وعلمية وخبرات عملية، لأحصل على وظيفة مناسبة، إلا أن الظروف أجبرتني على ذلك، وسأواصل عملي مهما كانت الظروف، ربما أحصل على وظيفة مناسبة، ولو بعد حين، فالتزاماتي لا تسمح لي بالبقاء دون عمل، فأنا رب أسرة وأب لطفل أسميته محمد، وتمنيت أن يكون مهندسا. «أبو محمد» يطهو طعامه على موقد صغير فوق سطح العمارة تحت الإنشاء التي يعمل فيها، يشاركه فيه بعض زملاء الشقاء، يفضفض كل منهم عن همومه، قانعون بما رزقهم الله من طعام يسد رمقهم، ويتطلعون إلى فرص عمل أفضل لتحسين أوضاعهم المادية، وتحقيق أمان راودتهم منذ أيام الصبا.