في أعالي هضبة نجد تصحو حائل على شروق الشمس فوق سفح جبال أَجَا، ويعيش أهلها على جمال النخيل في «الحير» الذي يملأ بساتين حائل القديمة، حيث يعد الحير قديما واجهة اقتصادية اعتمد عليها الآباء والأجداد في دخلهم ومعيشتهم على أدوات بسيطة.
الحير يعني البستان المجاور للمنزل، وهو مزرعة صغيرة في الجزء الخلفي من المنزل تحوي أشجار النخيل والحمضيات وأحيانا ً الرمان، وفي واحدة من أقدم المزارع العربية في الجزيرة العربية الواقعة أسفل مدينة حائل أو ما تسمى (الجر)، فهي المكان الذي وجود فيه بعض المساجد التي تتجه صوب بيت المقدس، وقيل إن بعضها اثار لمعابد قديمة قبل ظهور الاسلام، واليوم يعيد مهرجان «الحير» الذي اعتمده أمير حائل الامير عبدالعزيز بن سعد، الزوار والسياح وأبناء حائل من الأحفاد نحو الماضي التليد، فتحكي الصورة الحقيقية للمزارع القديمة بجداولها المعروفة قديما بـ (السواقي)، نحو عبق الماضي، حيث تعيش في المزرعة الخيول التي تشتهر بها حائل عالمياً، فتعد موطن الحصان العربي الأصيل في الجزيرة العربية، والذي يعود نشأته لمرتفعات جبال حائل، إذ ظهرت الخيول وتكاثرت على سفوح جبال أجا منذ 6 للهجرة، فاستعانت جيوش المسلمين بخيل طيء من حائل في غزوة مؤتة، فكان لحائل دور كبير في إبان الفتوحات الاسلامية ففي سنة 9هـ، وهو ما سمي بعام الوفود حيث وفدت قبائل من طيء حائل إلى الرسول، ومن ضمنهم زيد الخيل الذي نسب للخيل لكثره خيوله في سلمى حائل التي يمتلكها، فكان من الصحابة الذين أحسنوا اسلامهم، فسماه الرسول؛ زيد الخير، حيث كان يوفر لجيوش الاسلامية الخيول الأصيلة في كافة الفتوحات الاسلامية.
فالحير وفعالياته يشكل علامة فارقة في تلك المشاهد فهو كثافة النخيل التي تتراقص أفرعها وذراها في مشهد مسرحي مثير، ويشكل لوحة خلفية جميلة لكل مشهد يحتفل بالدور الذي لعبته النخلة في تلك العهود الزاهرة، والتي كانت فيها إحدى مكونات سلة الغذاء الرئيسة في المنطقة، وسطرت فيها خير معين لهم على البناء وسارت معهم جنبا إلى جنب في بناء أمجاد «حدري البلاد» حائل القديمة، عندما كانت عاصمة خضراء للجزيرة العربية.
«الحير» هو ملامسة عبق الماضي الحائلي وبقايا الملامح الجميلة لتراث الأجداد في حائل القديمة، والتي قالت عنها الإنجليزية الليدي «آن بلنت» حـائل سحـر الشرق.
حيث مكن الموقع الاستثنائي لحائل لتكون المدينة الوحيدة من مدن المملكة التي تشرب الماء من أبارها، فهي تنام على بحر مياه طبيعية، في ظل اعتماد مدن المملكة على مياه التحلية من بحار الخليج العربي أو البحر الاحمر، فحائل وهبه لها الخالق سبحانه المياه والجبال والرمال، وماتميزت به المنطقة من خصوبة لا توفرها الصحاري عادة كل هذا جعلها جزء من حركة التاريخ على مر العصور وأحداثه، وإذا كان المؤرخون قد سجلوا شيئاً من تأريخها في كتبهم وأبحاثهم، فإن المنطقة لا تزال تحتفظ بالكثير الكثير من حكايا التاريخ ورواياته التي لا تزال مطمورة مع أثارها.