-A +A
زياد عيتاني (بيروت)
عندما دخل الجيش الأمريكي بغداد عام 2003 لم يكن نظام صدام قد تهاوى، كان صدام نفسه يتجه مع ثلة من مرافقيه إلى ساحة الأعظمية بالقرب من مسجد أبي حنيفة النعمان يحيي أنصاره ويخطب فيهم. فيما الأمريكيون الذين كانوا يدركون تماما التفاصيل الميدانية أرادوا حسم المعركة بشكل خاطف وسريع وبأقل عدد من الضحايا، فسلكوا المخطط الإعلامي حيث توجهت فرقة أمريكية مجهزة لوجستياً إلى ساحة الفردوس ووجهوا كاميرات الإعلام إلى تمثال ضخم لصدام وعمدوا على إسقاطه فكان النقل التلفزيوني محصورا في تلك الساحة والحدث «تمثال صدام تم إسقاطه» والناس تدوس عليه فحسمت المعركة على الأرض ولاذ صدام حسين بالفرار.

عملية تحرير بلدة دابق تختلف عن عملية إسقاط تمثال صدام في ساحة الفردوس ببغداد، لأنها معركة عسكرية هدفها حسم المعركة الكبرى بشكل حاسم وسريع بأقل عدد من الضحايا- بحسب ما يراه مراقبون-. وتكتسب عملية تحرير دابق مما يسمى بتنظيم داعش الإرهابي قيمة عسكرية وإستراتيجية، فتلك البلدة التي لا يتجاوز عدد سكانها الثلاثة آلاف نسمة قبل اندلاع الثورة السورية لا يمكنها أن تكون ذات أهمية برغم أنها تبعد عن الحدود التركية فقط عشرة كيلومترات إلا أن أهمية «دابق» هي الرمزية التي عمل التنظيم على صناعتها بنفسه حول المدينة بين أنصاره فحولها إلى رمزية عقائدية مزعومة إذ جعلها ساحة لإرهابهم وهو ما يفسر ظهور محمد اموازي البريطاني المنتسب لداعش والمعروف بـ «جون» وهو يقف على رأس الرهينة الأمريكية عبدالرحمن كاسيج ويتوعد الغرب بقتل جنودهم في «دابق» بالتحديد.


وبحسب مراقبين، فإن سقوط دابق يوازي إسقاط تمثال صدام في ساحة الفردوس في بغداد، إنها البداية في معركة إسقاط تنظيم داعش الإرهابي وكل شعاراتها وأفكارها، إنها طريق العبور إلى الموصل حيث المعركة الكبرى، فبعد دابق، داعش سيحارب دون وعوده العقائدية، سيحارب كفلول تنظيم مهزوم، فلول مشروع فقد شرعيته.

لا تعد بلدة دابق (45 كلم شمال حلب) ذات أهمية إستراتيجية أو عسكرية ليتخذها «داعش» معقلاً رئيسياً له في سورية، ويعطى اسمها لمجلته الإلكترونية الإنجليزية. غير أن التنظيم الإرهابي اتخذها مقراً حتى إجلاء مقاتليه منها أمس الأول، لاعتقاده أنها ستشهد المعركة الفاصلة بين الروم والمسلمين، وباعتبار أية مواجهة هناك علامة اقتراب قيام الساعة. وشهدت دابق معركة تاريخية في عام 1516 انتهت بانتصار الخلافة العثمانية على المماليك. ويوجد بها قبر الخليفة سليمان بن عبدالملك. بيد أن «داعش» حشد مقاتليه لمعركة دابق، واثقاً من النصر، ومن أنه سينطلق بدفع من ذلك النصر ليحكم العالم كله، بدءا من تركيا.