-A +A
أسماء بوزيان (باريس)
يسعى بشار الأسد بعد السيطرة على حلب بدعم من حلفائه الروس والإيرانيين، للظهور بسياسة جديدة إزاء الرأي العام، إذ استقبل وفدا برلمانيا فرنسيا الأسبوع الماضي، وأجرى حوارات مطولة مع قنوات فرنسية وسويسرية وألمانية، وكانت البداية من فرنسا في حوار مطول مع القناة الفرنسية فرانس أنفو الأحد 8 ديسمبر.

ورأى مدير معهد سيرمام السويسري حسني عبيدي أن هذا التوجه مرده أن «الأسد يحاول أن يضع نفسه في موقف المنتصر، لذلك فهو يتجه نحو إستراتيجية إعلامية وسياسية جديدة باتجاه الرأي العام ليرسم صورة مغايرة عن تلك التي عرف بها».


في حين يعتقد خبراء أن إستراتيجية الأسد في تحويل الأنظار باتجاه الغرب واستمالة الرأي العام الدولي هي من صناعة القيادات الإيرانية التي توجه بشار ونظامه.

يدرك الأسد جيدا أن الرأي الدولي يدرك لعبته القذرة واستعانته بميليشيات القتل الإيرانية التي نكّلت بالشعب السوري، والآن أصبح يبحث عن شركاء جدد خارج حدود الشرق الأوسط. ولذلك اتجه نحو مغازلة الرأي العام الدولي بدءا بالغرب من خلال وسائل الإعلام الفرنسية.

وتقول مصادر عسكرية فرنسية لـ«عكاظ» إن الأسد يحاول استمالة الرأي العام الدولي عموما والغرب خصوصا، بتخطيط إيراني لتبييض صورته، في محاولة لاستعادة بعض الداعمين الأوروبيين بحجة محاربة الإرهاب في المنطقة. إذ غازل الأسد في حواره للقناة الفرنسية، المرشح اليميني فرانسوا فيون واعتبر أن الخطاب المنتهج في حملة فيون إزاء مكافحة الاٍرهاب يقاسمه إياه بشار مع قواته، الأمر الذي أثار سخرية الطبقة السياسية الفرنسية، معلقة على تصريحاته في تغريدات على تويتر، بالقول «إنه صدق أكاذيبه المتكررة. إنه يظن أنه أصبح الرجل القوي وهو الآن يبحث عن تعزيز قوته في المدن الكبرى. أما فرانسوا فيون فقد رد بقوله «لن نساند نظام الأسد ولا نرغب في ربط علاقات دبلوماسية مع نظام دكتاتوري موسوم بماض دموي ومخادع».

ويرى مراقبون سياسيون أن الأسد وجد الساحة السورية خالية من المنافسة على جبهة السياسة الداخلية، لكن هو لا يدرك أن الروس يُعبّدون الطريق نحو الرجل الذي سيخلفه وبأوامر من الكرملين سيتخلى على كرسي أراد أن يخلد فيه.

ففي أواخر ديسمبر منعت هيئة الاستخبارات التابعة لقيادة الأركان العامة الروسية، الأسد من القيام بزيارة لحلب الشرقية بحجة الاحتفال بالفوز، وقد أشارت مصادر لـ«عكاظ» إلى أن بشار امتثل للأوامر، على اعتبار أن روسيا تتحكم على الأرض من خلال الميليشيات الشيعية المرابضة في أطراف المدينة وفي أحيائها.

ويكشف خبراء عسكريون لـ«عكاظ» -رفضوا الكشف عن أسمائهم- أن روسيا، تناور لإيجاد الرجل المناسب الذي يقود سورية ما بعد الأسد، إذ أشارت تسريبات غربية لـ«عكاظ» أن الكرملين شرع في سلسلة لقاءات فردية منذ سبتمبر الماضي، لجس نبض المحيطين بالأسد بدءا بأخيه ماهر الأسد ووصولا إلى رئيس مكتب الأمن القومي علي مملوك.

بتاريخ 6 سبتمبر، قام مملوك برحلة سرية إلى موسكو، ونُقل للأسد على أن رئيس مكتب الأمن القومي علي المملوك سيقوم بزيارة للتحضير للمفاوضات بين روسيا والولايات المتحدة من أجل التعاون لإيجاد حل للأزمة السورية. وحظيت زيارة مملوك باهتمام المسؤولين الروس، وعقد محادثات سرية مع وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو، وكذلك مع عدد من المسؤولين من هيئة المخابرات العسكرية الروسية، تحدث فيها الطرفان عن إمكان إيجاد الشخصية التي ستخلف الأسد من الداخل السوري وتحضير محيط بشار القريب منه بما في ذلك ماهر شقيق بشار وهي المهمة التي أوكلت لعلي مملوك.

وأشارت مصادر «عكاظ» أن الكرملين يدفع لأن يلعب رئيس مكتب الأمن القومي، مملوك، دورا سياسيا في النظام السوري، خصوصا أن الكرملين أبلغه أنه سيلعب دورا مهما في تشكيل حكومة وحدة وطنية سورية، وأنه سيتولى رئاستها.

بعد ذلك، تحركت موسكو في كل الاتجاهات من أجل جس نبض محيط بشار وبعد زيارة مملوك، جاء دور ماهر الأسد وتوظيف علي مملوك لإقناع ماهر بزيارة موسكو وتجاوز شقيقه بشار الأسد وذلك بعدم إخباره بالتفاصيل الحقيقية للزيارة.

بعد عودة مملوك من روسيا شرع مملوك بالفعل بالتنفيذ، وأقنع ماهر بضرورة زيارة موسكو من أجل التعاون واسترجاع حلب، وذهب في زيارة إلى موسكو دامت من 10 إلى 15 نوفمبر 2016. متجها من طرطوس بطائرة مستأجرة من قبل وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو برفقة مملوك، ورافقهما رئيس جهاز الاستخبارات القوات الجوية، جميل حسن، الذي كان ينتقد في عديد المرات سياسة بشار الأسد في الأزمة، مطالبا بمزيد من العنف!

بعد هذه الزيارة، بدا ماهر أكثر قناعة بالدور الروسي، ليكون إحدى الركائز الثلاث التي تعتمد عليهم موسكو في دمشق، سواء بالنسبة للعمليات العسكرية أو لإيجاد حل سياسي للصراع.. وبكسب موسكو لثلاثة شخصيات من هذا النوع (ماهر، مملوك، جميل) يؤكد المراقبون أن الكرملين نجح في تشكيل أفعى مسمومة داخل مخدع الأسد.