جنود المارينز الأمريكيون بعد احتلالهم العراق يزيلون تمثال صدام من وسط بغداد. (أرشيف)
جنود المارينز الأمريكيون بعد احتلالهم العراق يزيلون تمثال صدام من وسط بغداد. (أرشيف)
-A +A
أ ب (واشنطن) OKAZ_online@
لا أحد يعرف على وجه اليقين مدى جدية تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بالاستيلاء على نفط العراق؛ إذ إن القيام بذلك سينطوي على تكاليف باهظة، وخطر مواجهة مباشرة مع مقاتلي تنظيم «داعش». وكان ترمب قال لموظفي وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) حين التقاهم مطلع الأسبوع الماضي: «ربما تلوح لكم فرصة أخرى»! وأثار تلويح ترمب بهذا التهديد، الذي ذكره أيضاً خلال حملته الانتخابية، قلقاً في شأن فهم الرئيس الأمريكي للطبيعة الحساسة لقيادة بلاده تحالفاً دولياً لمحاربة «داعش» في الشرق الأوسط.

وعلى رغم أن ترمب قال، إبان حملته، إنه كان ضد الغزو الأمريكي الذي أطاح بالرئيس العراقي صدام حسين في عام 2003، لكنه قال في اليوم التالي لتنصيبه (21 يناير 2017) إن الاحتلال الأمريكي للعراق الباهظ الكلفة كان يمكن أن يغطي كلفته، والخسائر في الأرواح الأمريكية التي نجمت عنه، لو استولت الولايات المتحدة على الاحتياطات النفطية العراقية الغنية. وقال ترمب لرجال الـ«سي آي إيه» الذين التقاهم بعد تنصيبه: «إن الغنائم من حق المنتصر». وزاد أنه تناول هذا الموضوع في المرة الأولى لـ«أسباب اقتصادية». وأضاف أن المسألة لها معنى من حيث مكافحة الإرهاب، بإلحاق الهزيمة بـ«داعش»، والاستيلاء على النفط، «لأنه مصدر أموالهم في المقام الأول». وقال: «ولذلك كان يجب علينا أن نحتفظ بالنفط (العراقي). ولكن.. حسناً.. قد تتاح لكم فرصة أخرى».


وتتجاهل مقولة ترمب سابقة اختطها عشرات الرؤساء الأمريكيين على مدى مئات السنوات بضخ أموال ومساعدات في الدول التي تخوض فيها الولايات المتحدة حروباً؛ إذ لا تزال لديها قوات في ألمانيا واليابان، بإذن من هذين البلدين، لكنها لم تقدم على الاستيلاء على الموارد الطبيعية لأي منهما. ويتطلب الاستيلاء على نفط العراق، وهو خامس أكبر احتياط نفطي في العالم، استثماراً هائلاً للموارد والعنصر البشري في بلد لم تنجح الولايات المتحدة في اجتثاث التمرد في أرجائه، على رغم إنفاقها أكثر من تريليوني دولار، وبعد نشرها أكثر من 170 ألف جندي هناك. وسيعارض أعداء أمريكا وأصدقاؤها أية خطوة من ذلك القبيل. ففيما وافق رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي مساعدة أمريكا لاسترداد الأراضي التي يحتلها «داعش»، إلا أنه تمسك مراراً بفرض سيادة بلاده.

وثمة غموض في شأن منبع فكرة ترمب، على رغم أنه لاحظ أن الاستيلاء على نفط العراق هو أمر «ظللت أقول به منذ زمن بعيد». والواقع أن ملامح الفكرة توجد في الخطب والتصريحات الحماسية التي أدلى بها المسؤولون الأمريكيون إبان إدارة الرئيس السابق جورج دبليو بوش، قبيل غزو العام 2003، إذ رددوا مراراً أن حرب العراق يجب أن تدفع تكاليفها بنفسها. بيد أن كبار مستشاري الرئيس بوش الابن شددوا على أن مستقبل الموارد الطبيعية العراقية سيترك لصناع القرار الخاص بالغزو، لئلا يثير ذلك تصورات بأن الغزو الأمريكي للعراق هدفه أساساً الاستيلاء على نفط العراق.

وقال مدير الاستخبارات القومية في إدارة بوش الابن جون نيغروبونتي لشبكة «سي إن إن» إن بوش بذل بالفعل جهوداً كبيرة كي لا يسمح لنا بالاستيلاء على الموارد النفطية العراقية. وفي ما يتعلق بتصريحات ترمب المشار إليها، قال مدير سي آي إيه «وزير الدفاع السابق روبروت غينس لشبكة «إن. بي سي»: «لا أعرف عمّ يتحدث ترمب». والحقيقة أن الاستيلاء على نفط العراق سيتطلب احتلالاً أمريكياً دائماً لهذا البلد. أو على الأقل احتلال أمريكي يستمر حتى تنضب احتياطات النفط العراقي، التي تقدر بـ140 مليار برميل. ولا بد من نشر عدد كبير من الجنود الأمريكيين لحراسة الحقول البعيدة المعزولة، ومرافق البنية التحتية الأخرى.

وستواجه مثل هذه المهمة بمقاومة شرسة من العراقيين الذين لا تزال الولايات المتحدة تسعى بكل جبروتها لكسب قلوبهم وعقولهم من خلال محاولتها إلحاق الهزيمة بجماعات من قبيل «داعش» و«القاعدة». ومهما يكن عدم واقعية تصريحات ترمب، فإن مسؤولي الاستخبارات الأمريكيين يعتقدون بأنه ينبغي القيام بجهد أكبر لقطع النفط الذي يربح «داعش» من تهريبه وبيعه. وكان «داعش» استولى على كميات كبيرة من النفط بعد أن اجتاح الحدود السورية في 2014، واستولى على الموصل، ومساحات شاسعة من الأراضي العراقية. وقدرت وزارة الخزانة الأمريكية أن «داعش» ربما جنى 500 مليون دولار من مبيعات النفط في عام 2015. والأرجح أن ذلك الرقم هبط حالياً نتيجة العمليات التي تقودها الولايات المتحدة. بيد أن المسؤولين يقولون إن النفط لا يزال يموَّل عمليات التجنيد والأنشطة الإرهابية الممتدة على أوسع نطاق.