أشارت مؤسسة «بيل ومليندا غيتس» في تقريرها السنوي الثاني تحت عنوان «تقرير بيانات مناصري الأهداف»، والذي أطلقته اليوم (الثلاثاء)، إلى أن التوجهات الديموغرافية قد تشكل عائقاً أمام استمرار التقدم غير المسبوق الذي حققته جهود مكافحة الفقر في العالم حتى اليوم. وبينما نجح مليار شخص في انتشال أنفسهم من الفقر على مدى العشرين سنة الماضية بفضل الجهود العالمية، فإن النمو السكاني السريع في أشد البلدان فقراً، لا سيّما في بلدان أفريقيا، قد يشكل خطراً يعيق مسيرة تقدم هذه الجهود مستقبلاً. وإذا ما استمرت التوجهات الحالية، فإن عدد الأشخاص الذين يعانون من الفقر المدقع في العالم يمكن أن يتوقف عن التراجع، بعد انخفاضه على مدى عقدين من الزمان، بل وقد يرتفع.
وعلى الرغم من الأسس الواقعية التي ترتكز عليها هذه التوقعات، فقد أعرب بيل ومليندا غيتس عن تفاؤلهما بأن شريحة الشباب المتنامية اليوم يمكن أن تساعد في دفع عجلة التقدم، وأوضحا بأن الاستثمار في صحة وتعليم الشباب في أفريقيا يمكن أن يؤدي إلى الارتقاء بمستويات الإنتاجية ويعزز الابتكار، مما يقود إلى «موجة ثالثة» من موجات الحد من الفقر لتستكمل الموجتين الأولى في الصين والثانية في الهند.
وكتب بيل ومليندا غيتس في مقدمة تقريرهما: «النتيجة التي يمكن أن نستخلصها واضحة.. علينا أن نستمر في تحسين ظروف البشر، ومهمتنا الآن تتمثل في المساعدة على خلق فرص للبلدان الإفريقية الأسرع نمواً من حيث عدد السكان والأكثر فقراً، ما يعني الاستثمار في فئة الشباب. وبشكل خاص، يجب الاستثمار في صحتهم وتعليمهم أو ما يطلق عليه الخبراء الاقتصاديون»رأس المال البشري.‘"
وشارك كل من بيل ومليندا غيتس في تأليف وتحرير تقرير «مناصري الأهداف: القصص التي تقف خلف البيانات 2018»، وتم إعداده بالشراكة مع معهد القياسات الصحية والتقييم (IHME) في جامعة واشنطن. ومن خلال استخدام توقعات البيانات الجديدة، يوضح التقرير أن الفقر في قارة أفريقيا يتركز في عدد قليل من البلدان، والتي تعد من أسرع البلدان نمواً سكانياً في العالم. وبحلول العام 2050، فمن المتوقع أن تستأثر جمهورية الكونغو الديمقراطية ونيجيريا بأكثر من 40 في المئة من الأشخاص الذين يعانون من الفقر المدقع في العالم.
وبالنظر إلى الدور بالغ الأهمية الذي لعبته شريحة الشباب الكبيرة في دفع عجلة النمو الاقتصادي والحد من الفقر في الماضي، يدعو التقرير قادة العالم للاستثمار في تمكين هذه الشريحة المهمة وتطوير إمكانياتها لضمان استمرار تقدم الجهود العالمية في مكافحة الفقر والأمراض. ومن خلال مقالات أعدها خبراء وصحفيين، يطرح التقرير منهجيات واعدة في مجالي الصحة والتعليم، ويسلط الضوء على الطرق التي يمكن من خلالها مساعدة الشباب على تحقيق تغيير إيجابي في قارة أفريقيا. ووفقاً للتقرير، فإن الاستثمارات في الصحة والتعليم، أو ما يطلق عليه الخبراء الاقتصاديون «رأس المال البشري»، في أفريقيا جنوب الصحراء يمكن أن تساهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة بأكثر من 90 في المئة بحلول العام 2050.
وفي كل عام، يتتبع التقرير 18 مؤشر بيانات من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، أو ما يطلق عليه «الأهداف العالمية»، بما في ذلك وفيات الأطفال والأمهات، والتقزم، والوصول إلى وسائل منع الحمل، وفيروس نقص المناعة البشرية، والملاريا، والفقر المدقع، والإدماج المالي، والصرف الصحي. وتقدم توقعات «معهد القياسات الصحية والتقييم» ثلاثة سيناريوهات محتملة للمؤشرات: أفضل وأسوأ السيناريوهات استناداً إلى تسريع أو تخفيض معدل التقدم، والتوقعات المستندة إلى التوجهات الحالية. وتتناول نسخة هذا العام من التقرير أربعة مواضيع رئيسية بتعمق أكثر، وهي:
يتضمن فصل تنظيم الأسرة مقالاً بقلم الدكتور أليكس إزيه، زميل زائر في مركز التنمية العالمية. يركز المقال على أهمية تمكين النساء لكي يصبحن قادرات على ممارسة حقهن الأساسي في اختيار عدد الأطفال الذي يرغبن بإنجابهم، ومتى يرغبن بالإنجاب، بالإضافة إلى حرية اختيار شريك حياتهن المناسب. ويشير إزيه إلى أنه، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة، من المتوقع أن يتضاعف عدد سكان أفريقيا بحلول العام 2050 ويمكن أن يتضاعف مرة أخرى بحلول العام 2100. وإذا ما تم تمكين كل امرأة في أفريقيا جنوب الصحراء وتركت لهن حرية تحديد عدد الأطفال الذي يرغبن بإنجابهم، يمكن تقليل الزيادة المتوقعة في عدد السكان بنسبة 30 في المئة، من 4 مليار نسمة إلى 2.8 مليار نسمة. والأهم من ذلك، أن هذا الأمر سيتيح لمزيد من الفتيات والنساء توسيع آفاقهن، والبقاء في المدرسة لفترة أطول، وإنجاب الأطفال في وقت لاحق، وكسب دخل أعلى عندما يكبرن، واستثمار المزيد في تربية أطفالهن. ويتناول هذا الفصل أيضاً مثالاً من برنامج جديد لتنظيم الأسرة في كينيا يتيح للشابات إمكانية الوصول إلى وسائل منع الحمل.
يتناول فصل فيروس نقص المناعة البشرية عملية نمذجة أعدتها كلية «إمبيريال كوليدج» في لندن لِما قد يبدو عليه وباء فيروس نقص المناعة البشرية في زمبابوي بحلول العام 2050، وبالتالي توقع ما تنتظره أمة بأكملها في المستقبل. لا شك بأن شريحة الشباب الكبيرة في زيمبابوي يمكنها المساهمة في دفع عجلة النمو الاقتصادي في بلادهم، ولكن بشرط تمتع هذه الشريحة بصحة جيدة. وتجدر الإشارة إلى أن أكثر من نصف سكان زيمبابوي هم دون سن الخامسة والعشرين، أي أكثر سن يصبحون فيها عرضة للإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية. وإذا ما قامت زيمبابوي بتكثيف أدوات الوقاية المتاحة حالياً على مدى السنوات الخمس القادمة، فقد تشهد انخفاضاً بنسبة الثلث في عدد الإصابات الجديدة بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاماً خلال عقد من الزمن. ويمكن أن يؤدي إدخال أدوات وقائية جديدة بحلول العام 2030، بما في ذلك لقاح فعال للغاية ضد الفيروس، إلى تقليص عدد الحالات الجديدة إلى حوالي 400 حالة في السنة فقط. ويمكن لهذه التدخلات مجتمعة تجنب ما يصل إلى 364 ألف حالة إصابة جديدة بفيروس نقص المناعة البشرية بين الشباب.
يتضمن فصل التعليم مقالاً من إعداد أشيش دهاوان، رئيس مؤسسة سنترال سكوير في الهند. وعلى الرغم من التحاق المزيد من الطلاب في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط في المدارس اليوم أكثر من أي وقت مضى، فإن الكثير منهم لا يتعلمون المهارات الأساسية التي يحتاجونها لتحقيق النجاح المهني في المستقبل. ولسوء الحظ، فإن استراتيجية تحسين النتائج المدرسية ليست واضحة تماماً مثل استراتيجية تحسين التحاق الأطفال بالمدارس. ويتناول هذا الفصل دولة فيتنام كنموذج للنجاح في تحقيق تحسينات كبيرة على مستوى النظام التعليمي. وعلى الرغم من أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في هذه الدولة ليس سوى أعلى بقليل منه في الهند، إلا أن الطلاب في سن الخمسة عشر عاماً في فيتنام يتفوقون على الطلاب من البلدان الغنية مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في الاختبارات الدولية.
ويتناول فصل الزراعة تحيلاً أجراه جيمس ثورلو، وهو زميل أول في قسم الأبحاث بالمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، حيث أشار إلى أنه من خلال مضاعفة الإنتاجية الزراعية، يمكن لغانا تقليص معدل الفقر إلى النصف، وخلق مئات الآلاف من فرص العمل، ودفع عجلة نمو اقتصادها الوطني. يتبع ذلك مقالٌ أعده صحفي محلي حول رحلة الطماطم من حقل في المناطق الريفية في بوركينا فاسو إلى طبق في غانا، حيث يوضح من خلاله عدد الوظائف التي يوفرها على طول مسار تلك الرحلة.
ويعتزم بيل ومليندا غيتس إعداد تقرير بيانات «مناصري الأهداف» كل عام حتى العام 2030، على أن يتزامن الإعلان عن نتائجه مع الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي يقام في مدينة نيويورك بمشاركة زعماء العالم. وتم تصميم التقرير بهدف تسليط الضوء على أفضل الممارسات وتحميل المسؤولية عن النتائج لكل من مؤسسة بيل ومليندا غيتس وشركائها وقادة العالم أجمع. ويهدف التقرير إلى توثيق الممارسات والحلول الفعالة وتحديد مواطن النقص التي تحتاج إلى تكثيف الجهود لمعالجتها.
وبالتزامن مع التقرير، يشارك كل من بيل ومليندا غيتس مرة أخرى في استضافة فعالية «مناصري الأهداف» في مدينة نيويورك خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي يوم 26 سبتمبر الجاري، سيناقش نخبة من القادة الشباب من قطاعات الحكومة والأعمال والتكنولوجيا والإعلام والترفيه والقطاع غير الربحي، مجموعة من الابتكارات والأساليب التي يمكن أن تساعد في تحقيق الأهداف العالمية. ومن بين المشاركين الرئيس التنفيذي للابتكار في حكومة سييراليون ديفيد سنغي؛ والمحامية الهندية والناشطة الاجتماعية تريشا شيتي، والتي أسست منظمة «شي سايز» (SheSays)؛ والموسيقار والناشط الكيني كينغ كاكا؛ والشاعرة الهندية أرانيا جوهر المتخصصة في إلقاء النثر المحكي. ومن بين المتحدثين الآخرين غراسا ماشيل، مدافعة دولية عن حقوق المرأة والطفل والمؤسس المشارك لصندوق «غراسا ماشيل»؛ وريتشارد كورتيس، كاتب وناشط في مجال التوعية ومؤسس مشارك لمنظمة «بروجيكت إيفري وان»؛ وستيفن فراي، ممثل وكاتب ومقدم برامج. ومن بين الفنانين المشاركين المغنّي البريطاني «إد شيران» وجوقة «بروكلين يوث»، علماً بأنه سيتم قريباً الإعلان عن أسماء المتحدثين الآخرين المشاركين.
وسيقام يوم 25 سبتمبر حفل توزيع «جوائز الأهداف العالمية» الذي يشارك في استضافته بيل ومليندا غيتس، وذلك عشية انطلاق فعالية «مناصري الأهداف». وتحتفي هذه الجوائز، التي تُقدّم بالشراكة مع «مؤسسة بيل ومليندا غيتس» ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، بالمشاريع والمبادرات البارزة التي تركز على الشباب في جميع أنحاء العالم والتي ترتبط بشكل مباشر بالأهداف العالمية الـ17. وتقدم الجائزة ضمن أربع فئات هي «جائزة التقدم»، و«جائزة صانع التغيير» و«جائزة أفضل حملة» و«جائزة مناصر الأهداف العالمي».