-A +A
عبدالله الغضوي (إسطنبول)
تتطابق احتجاجات أصحاب الستر الصفراء مع الثورة الفرنسية في أمرين؛ الأول المشكلات الاجتماعية، والأزمات المالية والاقتصادية كالفقر، والتضخم، والبطالة، التي تعرضت لها البلاد أثناء حكم لويس السادس عشر الضعيف.

والأمر الثاني؛ ظهور نظام ضريبي غير ناجح، حيث كانت الضرائب التي يجب أن يدفعها الجميع غير متساوية، الأمر الذي أدى إلى زيادة الأزمة المالية. وما بين هذين السببين، تأتي التراكمات على المجتمع الفرنسي التي أدت إلى انتفاضة الستر الصفراء، فالبعض يرى الجمود السياسي والاقتصادي في أوروبا عموما وفرنسا على وجه التحديد أدى إلى الانفجار الشعبي.. الذي بدأ يأخذ شكل رياح التغيير في أوروبا، ولعل خروج ستر صفراء في بلجيكا مؤخرا أول إشارة إلى تحرك رياح التغيير الأوروبية، حتى ماليزيا اتخذت من الستر الصفراء منهجا للتغيير والاعتراض على كهولة الحكومة الجديدة برئاسة مهاتير محمد. الخوف كله من فرنسا، وفي هذا التفكير كل الحق، فحين كانت أوروبا صامتة تعيش حالة الحروب الخارجية، انتفضت فرنسا في العام 1789، حينها أعجبت أوروبا بهذه الثورة، وكانت فرنسا هي التي تصنع الثورات بينما تبنت أوروبا التقليد.


إن أكثر ما ينطبق على فرنسا اليوم هو نظرية الفراشة والفوضى، فلا يعتقد أن ارتفاع أسعار الوقود وحده هو الذي أدى إلى انتفاضة الستر الصفراء على الإطلاق، إلا أن هذا السبب الذي يأخذ شكل الفراشة الناعمة كان له ارتدادات على المجتمع الفرنسي، وربما لو كان قرارا مختلفا من الحكومة الفرنسية مثلا عدم ارتداء الفرنسيين الستر الصفراء لكانت النتيجة ذاتها، لأن معطيات الانتفاضة تحتاج إلى سبب صغير لتبرير الانفجار الداخلي العميق.

المخيف في حالة فرنسا، هي الخروج عن التقاليد السياسية، ففكرة الانتخابات في أوروبا هي الاعتراض بشكل أو بآخر على أداء الحكومات وبالتالي يمكن تغيير هذه الحكومات عبر الصناديق، إلا أن القلق في فرنسا يأتي من توجه الشعب إلى التغيير خارج الصندوق الانتخابي وهذا ما يرعب الحكومات الأوروبية، بل إن الطابع العنيف لأصحاب الستر البيضاء أصاب المجتمع الأوروبي بصدمة من طريقة الاحتجاج الحديثة على الوسط الأوروبي.

من فرنسا يأتي الخوف؛ وما رأيناه من حالة تطرف خطير في حالة التعميم الأوروبي، فحين يغضب الشعب فلا تبحث عن القواعد ولا عن الحضارة، فباريس التي تتباهى بشارع الشانزليزيه، هو الآخر تحول إلى حرب شوارع بين المتظاهرين وقوات الأمن الفرنسية، إنها لحظة فرنسا وأوروبا في ذات الوقت فإذا هبت الرياح لا يمكن أن تتراجع ومن هنا تكمن المخاوف الأوروبية على فرنسا ومنها.