-A +A
«عكاظ» (مكة المكرمة)

قدم مفتي جمهورية مصر العربية الدكتور شوقي علام، الشكر والعرفان لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - على رعايته مؤتمر الوحدة الإسلامية الذي اختتمت فعالياته في مكة المكرمة، ونظمته رابطة العالم الإسلامي، داعيًا الله تعالى أن يجعل ذلك في ميزان حسناته وأن ينعم على المملكة العربية السعودية بنعمة الأمن والأمان وأن يجنبها ملكًا وشعبًا وحكومة شر الفتن ما ظهر منها وما بطن. وأكد مفتي جمهورية مصر العربية أن دعمه الدائم للمملكة، أمر تمليه العروبة والإسلام والامتثال لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم "إن مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد ". ونوه فضيلته بمضامين ومحاور مؤتمر «الوحدة الإسلامية.. مخاطر التنصيف والإقصاء»، وقال: إن رابطة العالم الإسلامي تعقد هذا المؤتمر المهم في ظروف عصيبة تمر بها الأمة الإسلامية، فالتحديات المحيطة بنا والأخطار المحدقة من حولنا أصبحت ماثلة للعيان لا يستطيع أن يتجاهلها أو أن يشكك فيها أي إنسان عنده مسكة من عقل، أو ذرة من إيمان، وإن تداعي الأحداث وتزايد الأخطار، وتتابع المحن التي تواترت على الأمة الإسلامية، قد استنهضت همم المخلصين الجادين من العلماء والمفكرين والباحثين في مشارق الأرض ومغاربها لبحث كيفية الخروج بأمتنا الإسلامية وشعوبها المسالمة من أتون هذه الفتن ونيران تلك المؤامرات سالمة غانمة مطمئنة منتصرة. وأوضح مفتي جمهورية مصر العربية، أن بشارات عظيمة كفلها الله تعالى للأمة الإسلامية من الرعاية والأمن والحفظ من كل خطر كوني أو خارجي يتهددها، إلا أن هناك إنذاراً يؤيده الواقعُ الماثل أمامنا من خطر جسيم يتهدد الأمة؛ ألا وهو خطر الاختلاف والانقسام والاقتتال والتنازع والتدابر الذي ينتج عن فتنة التصنيف التي حذَّرنا الله تعالى منها في الكتاب الكريم. وقال: «وكما حدد الله تعالى الخطر والداء بيَّن لنا في كتابه الكريم سبل النجاة من الفشل والضعف والفرقة، بالاعتصام بكتاب الله تعالى والاقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم»، محذراً مما ابتليت به الأمة الإسلامية، من فرق ما أنزل الله بها من سلطان، تحت أسماء مختلفة، وراياتٍ متعددة، وشعارات متباينة، وغايات وأهداف ظاهرها الرحمة، وباطنها وحقيقتها الهلاك والعذاب، ذلك أن كل جماعة وفرقة من هذه الفرق قد حصرت الحق في منهجها وحده دون غيره، وحكمت على مخالفها بالهلاك وفساد المنهج والمعتقد. وأوضح مفتي مصر، أن الخطر المحدق ليس في الاختلاف وحده، لأن الاختلافَ الناتجَ عن اجتهاد صحيح ونظر سليم، ضرورة عقلية وظاهرة صحية، إنما الخطر الحقيقي في ظاهرة إقصاء الآخر المخالف والحكم عليه بالكفر والمنابذة، وهذا مما يضعف الأمة ويهدد سلامتها وأمنها ووحدتها. وقال: "إذا أردنا أن نتعلم فقه الاختلاف الصحيح ونجنب الأمة خطر هذه الجماعات التي فرقت الأمة الإسلامية، وقسمت صفنا، ووهنت عزمنا، وأضعفت قوتنا، فأمامنا المنهج العلمي الصحيح الذي استقرت عليه اجتهادات جهابذة الأمة الإسلامية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، وهو أن الاختلاف إذا كان في الأمور الاجتهادية الظنية التي لا تمس ثابتًا من ثوابت الدين أو العقيدة، ولا تنكر معلومًا من الدين بالضرورة، ولا تخرق إجماعًا قطعيًّا؛ فإن الأمر فيها هين والخلاف حولها مستساغ، وهو من قبيل اختلاف التنوع وليس من قبيل اختلاف التضاد". وأكد فضيلته أن هناك الكثير من الاختلافات من هذا القبيل قد حدثت حتى في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الذي علَّم أصحابه الكرام فقهًا لاختلاف الآخر وقبوله ما لم يكن الاختلاف في الثوابت كما قدمنا، وما حديث اختلاف الصحابة في قراءات القرآن الكريم منكم ببعيد، وأن مثل هذه الاختلافات والاجتهادات التي وقعت وترددت فيها الأنظار بين العلماء سلفًا وخلفًا، لا زالت تملأ بطون الكتب الإسلامية مكونة ثروة علمية ضخمة نافعة، ولم نسمع أن عالماً مجتهداً كفَّر غيره أو حكم عليه بالإقصاء. وشدد مفتي مصر، على أنه قد تبيَّن بما لا يدع مجالًا للشك أن غياب المنهج العلمي الذي انتهجته هذه الجماعات المفرقة المضللة، والخروج عن سنن أهل العلم، ومقاصد الشريعة الإسلامية الغراء، قد أوقعنا في أزمات ومشكلات عديدة، أخطرها تهديد وحدة الأمة وأمنها واستقرارها. وناشد مفتي جمهورية مصر العربية، العلماء أصحاب الرأي والفكر والإرشاد أن يوجهوا كل طاقتهم إلى ترسيخ ثقافة قبول الاختلاف، في توجيه الأمة إلى فقه السلف الصالح الذي يفرق بين الثابت والمتغير والقطعي والظني في أمور الخلاف، مشيرًا إلى أن الأمة الإسلامية تنظر بشغف بالغ إلى نتائج المؤتمر، في توصياته، سائلاً الله تعالى أن يوفق الجميع لما فيه الخير والسلام لأمتنا الإسلامية، وأن يحفظ بلاد المسلمين عامة وأرض الحرمين خاصة.