-A +A
محمد جوجة*
تضع روسيا يدها على مناطق مختلفة من سورية بالشراكة مع إيران أو بالتوافق مع تركيا، ورغم حجم انخراطها في انتزاع هذه المناطق من يد فصائل الثورة، ونشر جنود لها على الأرض، إلا أنه لا يمكن القول إن الروس وحدهم هم أصحاب القرار في هذه المناطق، إذ تتشابك المصالح أحياناً وتختلف تارةً بين الشركاء المسيطرين لدرجة لم يعد صعباً معها على أحد أن لا يلحظ الخلافات بين روسيا وإيران من جهة وروسيا وتركيا من جهة أخرى، خلافات تحتضنها روسيا لتضمن الوصول إلى الحل السياسي المستدام بالشراكة مع أطراف موجودة وأخرى تسعى إلى جذبها لطاولة الشراكة بدبلوماسية، بالاستجداء تارة وبخطاب الأمر الواقع تارة أخرى.

حتى هذه اللحظة لا يُرى في الأفق توافق بين روسيا وأمريكا حول جميع القضايا، وزاد هذا الاعتقاد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الانسحاب من سورية، وليس متوقعاً أن تقدم أمريكا (القريبة البعيدة) من الأزمة السورية تنازلات لروسيا، إلا أن الدعوات الأمريكية لخروج المليشيات الإيرانية من سورية هي نقطة التوافق المحتملة بين الدولتين. إلا أن روسيا فكرت بالأمر مراراً لتجد نفسها غير قادرة على الصمود واقعياً في مناطق سورية كثيرة بدون مساندة هذه القوات الإيرانية، حتى لو تم ترميم «الجيش السوري» فمن ذا الذي يضمن أن لا تتحرك قوى الثورة عسكرياً بدعمٍ من أعداء روسيا، الأمر الذي يهدد بلا شك في عودة الأمور إلى الصفر.


في ظل الظروف الراهنة والتي توصف «على الأقل» بأنها معقدة وصعبة، فإنه لا يمكن للروس وحدهم فرض حلٍ سياسي مناسب، أو يناسب الكلفة التي دفعوها للدخول في سورية على أقل تقدير، لذا فإن الوضع الراهن ربما يعتبر من أفضل حالات التوازن التي تسعى روسيا لتثبيتها، آملةً أن تجد في قادم الأيام حلولاً لباقي الإشكالات العالقة، ومن هنا تأتي مسألة إعادة اللاجئين التي تروج لها روسيا اليوم بقوة في الأوساط الغربية والشرقية كمدخل عريض لتثبيت الوضع الراهن، فإعادة اللاجئين إلى مناطقهم ستشكل حرجاً كبيراً لقوى الثورة أو أي قوى داعمة لها للتحرك من جديد في أعمال عسكرية مُحتَمَلة قد تُفضي إلى إعادة تهجيرهم من جديد بسيناريو أسوأ، كذلك فإن القبول بإعادة الإعمار هو القبول بشرعية الوضع الراهن، والمال الذي سيُدفع في هذا الجانب هو خير دليلٍ على نوايا حسنة تؤكد أنه لن يتم الدفع لدعم أي توجهات معارضة لروسيا لاحقاً.

*قانوني سوري