-A +A
«عكاظ» (جدة)okaz_policy@
بعد ولادة عسيرة استغرقت 9 أشهر من الشد والجذب، ووسط حالة من الترقب بين الأوساط السياسية داخليا وخارجيا، خرج إعلان الحكومة اللبنانية في أجواء مقبولة وانتقادات «متعجلة» من بعض الجهات والشخصيات في الداخل اللبناني ودول الجوار استبقت بآرائها وانطباعاتها ومواقفها انطلاقة حكومة الحريري بنسختها النهائية، وأبدت بعضها أحكاما مسبقة قبل مباشرة الحكومة أعمالها، ولم تراعِ طبيعة تركيبتها والتوازنات التي وزعت الحصص على إثرها، ولم تنتظر معرفة مدى انعكاس تلك المحاصصة على أداء الحكومة وتوجهاتها.

في حين نال سعد الحريري من قبل البعض انتقادات وتشكيكا «غير مبرر» في مواقفه الراسخة كرد فعل مباشر ومتعجل على إعلان الحكومة، وهو أمر لا يبدو منطقيا، في ظل أن الحكومة جاءت بناء على عملية انتخابية، كما أن الحريري صمد على مدى 9 أشهر في وجه مليشيا «حزب الله»، وحليفها الرئيس ميشال عون، ورفض تقديم تنازلات عدة، إضافة إلى أنه يؤكد دائما على الحفاظ على مخرجات «اتفاق الطائف» ويقف ضد عودة العلاقات مع سورية، وهي من المواقف الراسخة للحريري ضد مطالب «حزب الله» التابع لإيران، وحليفه عون.


ولا شك أن الانتقادات التي وجهت للحريري في الداخل ودول الجوار جاءت من قبل أفراد وشخصيات لا تعبر عن آراء الدول وسياساتها تجاه لبنان، خصوصاً أن الكثير من الدول العربية والخليجية على وجه التحديد لم تبدِ أي مواقف سلبية تجاه التشكيل الحكومي الأخير في لبنان، وبعض الدول آثرت الصمت وعدم الاستعجال في اتخاذ مواقفها تجاه الحكومة اللبنانية؛ بهدف التأكد من أنها ستبقي الالتزام بسياسة النأي بالنفس عن صراعات المنطقة والأزمة السورية، والتأكد من عدم حدوث انفلات «حزب الله» بالتمادي على سلطة الدولة، مستغلاً امتلاكه السلاح والقيام بتعزيز تدخلاته على الصعيد الإقليمي، إضافة إلى ترقب انعكاس وتأثير الموقف السياسي لوزير الخارجية جبران باسيل، المتحمس لاستعادة العلاقة مع النظام السوري في سياسة الحكومة الجديدة، وغيرها من التوجهات المعروفة لدى بعض الساسة والمحسوبين على الحكومة الجديدة وما إذا كانت ستنعكس على أداء الحكومة ورؤيتها حيال قضايا المنطقة.

لذا فإن الكثير من الدول العربية والخليجية تبدي التريث في التعليق على إعلان الحكومة الجديدة، وهي مواقف منطقية في الوقت الراهن، إضافة إلى أن التزام النظر بحياد تجاه إعلان الحكومة يستبعد أية مقاربة مع الموقف الإسرائيلي الذي أعلن عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أخيرا، بقوله إن «حزب الله» يسيطر على الحكومة اللبنانية، معتبرا أن ذلك يعني «أن إيران تسيطر على الحكومة اللبنانية»، وهو الموقف الذي تروج له إسرائيل لضرب علاقة الحريري مع الدول الصديقة والداعمة لمواقفه، وبالتالي يدعم انزلاق لبنان تجاه الفوضى.

كما أنه أيضا ورغم الانتقادات التي تواجهها حكومة لبنان، تميزت الكثير من ردود الفعل في المجتمع الدولي والدول الغربية بترحيبهم بإعلان الحكومة حتى إن تفاوت نمط التعبير بين هذه الدول حول مدى الرغبة في التعاون مع الحكومة الجديدة، إلا أن هذه الدول لا تختلف حول مسألة الوفاء بالتزامات لبنان.

وكذلك تراهن الإدارة الأمريكية على دعم مؤسسات الدولة اللبنانية، خصوصا الأمنية، بأنها قادرة على ضبط الأوضاع الأمنية في لبنان وتساهم في تقويض أنشطة «حزب الله»، وهي جزئية في غاية الأهمية، ومن المهم أيضا أن نشير إلى أن وزير الصحة جميل جبق، الذي رشح من قبل «حزب الله» وأُثير حوله الكثير من الجدل، أكد أنه غير حزبي، ونفى الشائعات حول نيته استيراد أدوية إيرانية إلى لبنان، وهو مجرد مثال عن الحكومة الجديدة التي أعلن عنها الحريري، والتي تسعى لطمأنة دول الجوار والغرب حول توجهاتها المستقبلية، وأنها جاءت من أجل العمل والبناء والاستقرار وعدم الانسياق خلف الآيديولوجيات التي تتبناها الدول الداعمة للإرهاب والتطرف والفوضى.