-A +A
أسماء بوزيان (باريس) okaz_policy@
لا يمكن أن نقول إن بين عشية وضحاها تحول وعي الجزائري إلى ذروته، ولكن هذا الجزائري أتقن لمدة 4 عهود أن الخير في التغيير، وأن التغيير ليس في شخص الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، ولكن التغيير هو في العمق؛ في الإصلاح السياسي.

والذين يرون أن الخوف من جحيم مماثل لسنوات الجمر، يرون أيضا أن العيش في هكذا ظروف هو بمثابة انتحار مجتمعي بطيء، فالظروف التاريخية التي أحاطت بالجزائريين أنتجت خوفا جماعيا، والذي عاش الخراب والموت والرؤوس المقطوعة عند كل منعطف غير الذي سمع ولم يعايش، هذا الخوف هو نفسه سيولد حتما وعيا استثنائيا لا يخضع لأي نموذج توعوي تنويري معروف.


إذا كانت مجتمعات كثيرة واعية سقطت في هفوة العنف بسهولة، فإن الخوف الذي أخرج الجزائريين هو المحرك لنجاح الحراك الشعبي الذي احتفظ بسلميته بقوة، وأنتج وعيا استثنائيا لظرف استثنائي، رغم محاولات اختطاف سلمية الحراك الشعبي من قبل أشخاص مدفوعين لذلك.

ومن ثم فإن طبيعة الصراع الحالي في الجزائر هو صراع عمودي حتى الآن، يتمثل في حراك شعبي من دون لون أيديولوجي ضد السلطة. ولا تجد السلطة غير تغيير وضعية الحراك ونقله لمستوى الحلول التي تملكها وتريد الاستثمار فيها لتشتيت التلاحم الشعبي، وستسعى إلى تغيير وضعية الصراع ونقله لمستوى أفقي، من خلال تحريك آلة الانشقاقات الأيديولوجية والجهوية في الأوساط الشعبية. هذه السلطة التي يبدو أنها لم تستوعب شرارة الحراك وكيف تحول في بضعة أيام إلى «تسونامي» حقيقي، لكنه هادئ ومسالم، فالتعبئة غير المتوقعة للشارع الجزائري جاءت لتخلط سيناريو قصر المرادية. فالرئيس عبدالعزيز بوتفليقة (82 عاما)، الذي يشغل قصر المرادية منذ 1999، يعالج في جنيف، حيث نقل الأحد الماضي. وفي انتظار عودته التي يفترض أن تكون قبل 3 مارس الذي يوافق اليوم (الأحد)، وهو موعد تقديم ملفات الترشح النهائية للانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في 18 أبريل، يبقى التكهن بترشحه أكثر من وارد بعد النهج الذي التزمت به السلطة حيال المتظاهرين. فالأمر كان سيحسم لولا صحوة الجزائريين الذين خرجوا طوال أسبوع في حراك شعبي ضد الولاية الخامسة، ولكن مليونية «جمعة الحسم» رفعت كل التوقعات، وبدأ تقويم استثنائي للحظة وعي استثنائية. فالجزائريون اليوم يسعون لتجنب الأخطاء السابقة بما في ذلك تغيير النص الدستوري الذي انبثق عن أكتوبر 1988، وانحرف باتجاه انفتاح إنشائي دون المساس بالمؤسسة الحاكمة.

وإذا اكتملت صحوة الحكومة التي تستند إلى قراءات الشارع، فإننا قد نصبح أمام سيناريوهات محتملة، من بينها: إعلان بيان بأن الأطباء ينصحون الرئيس بالخضوع لفترة نقاهة طويلة الأمد تستدعي خلوده للراحة التامة، ومن ثم يجتمع المجلس الدستوري وجوبا لإقرار حالة الشغور وتولي رئيس مجلس الأمة لمدة 45 يوما، وإرجاء الانتخابات إلى الآجال الدستورية المحددة، على أن يستدعي رئيس مجلس الأمة بعد انقضاء 45 يوما الهيئة الناخبة.