منشق إيراني يصف الوجه القبيح لجواد ظريف
وصف الأكاديمي الإيراني الأمريكي الجنسية (كيان تاج بخش)، وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، بأنه رجل كاذب ومخادع، وكان يستدرج الناشطين الحقوقيين الإيرانيين في الخارج إبان عمله في نيويورك ممثلاً لإيران في الأمم المتحدة، ويوهمهم بأن النظام الإيراني يعمل على مشاريع للإصلاح والديموقراطية، وفي نفس الوقت يسجل لهم لقاءاته معهم ويرسلها للاستخبارات الإيرانية التي بدورها تكون في انتظارهم عند عودتهم لطهران لتزج بهم في السجون أو تعلقهم على حبال المشانق.
وكشف كيان خلال لقاء جمعه مع الصحفي الفرنسي (إريك راندولف) ونشرته صحيفة «نيويورك ريفيو أوف بوكس» الأمريكية، أساليب التلاعب والخدع التي كان يمارسها ظريف ضد المثقفين الإيرانيين المعارضين للنظام القمعي في طهران.
وعند عودته إلى إيران، تم اعتقاله بتهمة التجسس وقلب النظام، وفوجئ كيان الذي قضى 6 أعوام في السجن، أن كل ما قاله لظريف في اجتماعات نيويورك كانت مسجلة واستخدمت كأدلة لإدانته، ويتحسر كيان واصفاً ظريف بأنه كان يخدعه طوال الوقت بهدف تقديم كل الذين يفكرون بإصلاح النظام إلى أيدي أجهزة المخابرات.
وتبدأ قصة الأكاديمي الإيراني قبل أكثر من عقد من الزمن في سجن «إيفين» أحد أحلك الأماكن في جمهورية إيران، كان (كيان) على موعد أن يقرر ما إذا كان سيضع حبل المشنقة حول عنقه أم لا.
لقد مُنِح يومان صريحان للتفكير في الأمر، حيث كان محتجزا في غرفة خرسانية صغيرة كانت قفصه طوال خمسة أشهر. وطرق الحارس الباب، كان وقت تفكير كيان قد انتهى. واقتاده إلى غرفة الاستجواب معصوب العينين، وتمت إزالتها بمجرد جلوسه أمام المحقق الذي قضى معه كيان ساعات لا تحصى من الاستجواب، كانت تدور حول كل تفاصيل حياته وعمله ناشطا ديموقراطيا، وصلاته بمنظمة «جورج سوروس» والحركة الإصلاحية الإيرانية.
في النهاية، كان الأمر كله يتعلق بسؤال بسيط: هل كان كيان يحاول تغيير شخصية الجمهورية الإسلامية؟.
كان كيان مرتعبا، فالإجابة بـ«نعم» تعني الاعتراف بالخيانة، والخيانة تعني المشنقة. لكنه شعر أيضاً أنه أصبح يرى الأشاًء بوضوح لأول مرة.
قال له المحقق: «أنت تعمل لصالح معهد المجتمع المنفتح، حسناً، نحن لا نؤمن بمجتمع منفتح، نحن نؤمن بالجمهورية الإسلامية كما نص عليها الإمام الخميني».
كيان الذي قضى عقدًا من الزمن في العمل مع السياسيين الإصلاحيين لبناء مجتمع مدني في إيران ومحاولة تحريك الجمهورية الإسلامية في اتجاه جديد آملاً أن تكون هناك انتخابات حرة حقيقية، ووضع حد للرقابة، وحرية الدين. ولكنه الآن أدرك مدى سذاجة هؤلاء الإصلاحيين الذين كان يعمل معهم. الجمهورية الإسلامية لم تكن كما كانوا يتصورونها، فهناك حرب مستعرة بين الفصائل المتعارضة، حيث كان هناك فقط نظام جامد وغير متحرك، إما أن تقبل به أو تكون خائنا.
بالنسبة لكيان، بدا الأمر مريعاً وعميقاً، ولم يستطع أن يتنكر من إيمانه بأن إيران تستحق وتحتاج إلى قدر أكبر من الحرية الديموقراطية، حتى أنه فهم الآن أن هذا جعله عدواً في نظر الجمهورية الإسلامية.
في نهاية الأمر قال كيان للمحقق: «نعم، ففي حال نجاح العمل، فإن النظام كان سيتغير بشكل أساسي».
المحقق لم يقل شيئاً، واكتفى بكتابة أشياء على مفكرته، ثم غادر غرفة الاستجواب، وأعيد كيان إلى زنزانته وهو ينتظر مصيره. كانت الأيام التي تلت ساعات التحقيق معاناة حقيقية من الخوف والترقب بالنسبة لكيان، لكن ما حدث بعد ذلك أشعره وكأن معجزة حصلت، فبدلاً من الإعدام، تم نقله إلى زنزانة مشتركة، ثم بعد بضعة أسابيع، أطلق سراحه.
أصبح كيان في الخارج، لكنه كان قد تلقى درسا قاسياً، لقد أُجبر على تخيل القبضة الخشنة لحبل المشنقة حول عنقه، وكان قد أُدرك أنه فهم أن الجمهورية الإسلامية لم تأتِ من أجل التغيير، وأن محنته لم تنته بعد.
يقول (راندولف) "مازال العديد من الناس يسعون إلى إحداث تغيير في نظام الجمهورية الإسلامية منذ وجودها. وللأسف فاليوم، يوجد لدينا نوع من الغباء المقيت الذي تنتهجه سياسة إدارة ترمب تجاه إيران، التي تعتقد أن بإمكانها إجبار قادة إيران في تعديل سلوكهم، فقد حاول آخرون بوسائل الإقناع والحوافز بينما لا يزال آخرون، مثل كيان، يمتهنون الصبر في السعي لبناء مجتمع مدني من الداخل، ولكن لم ينجح أي منهم.
ويسرد الصحفي الفرنسي عن لقائه مع كيان قائلا «التقينا في نيويورك بعد بضعة أشهر من انتهاء عملي صحفيا لعامين ونصف العام، أو بمعنى أصح، في محاولة للقيام بذلك، وأردت آنذاك اللقاء بأشخاص يمكن لهم أن يلقوا بعض الضوء على العديد من الأشياء التي كانت مخفية عن الأنظار أثناء عملي مكافحاً تحت وطأة قيود في غاية الجنون».
في سن الثامنة، غادر كيان غادر إيران مع والديه قبل الثورة إلى المملكة المتحدة، وأصبح مواطنا بريطانيا وحصل بعدها على الجنسية الأمريكية بعد نجاحه أستاذا للسياسة الحضارية في نيويورك. وفي أواخر العشرينات من عمره انتقل إلى الهند، وتزوج من هناك ولكن زواجه لم يدم طويلاً. وفي أواخر التسعينات، ومع انفتاح إيران في ظل حكومة إصلاحية جديدة شعر بأنها فرصة لإعادة اكتشاف موطنه الحقيقي، واعتقاده بأن مستقبل البلاد بانفتاح واسع ومفاجئ، فقد ازدهرت الصحف ودور النشر، وكان هناك اهتمام كبير بالفلسفة الليبرالية الغربية.
وجد كيان من جانبه إحساساً بالانتماء لأول مرة ومكاناً يمكن فيه اختبار نظرياته المجردة حول بناء الديمقراطية في العالم الواقعي.
كيف أوقع ظريف بنشطاء وسلمهم لأجهزة الموت الإيرانية؟
في خضم هذا الاضطراب، تم الاتصال بكيان من قبل ممثل «سوروس» يدعى (أنتوني ريختر) للانضمام إلى معهد المجتمع المفتوح. وتتمثل وظيفة كيان في دعم المحامين وناشطي حقوق الإنسان الإيرانيين الذين يقومون بحملات من أجل مبادئ مثل حرية المعلومات وتمكين المرأة، وربطهم بالمنظمات الإقليمية والدولية. وتعرف ريختر في ذلك الوقت على الدبلوماسي الإيراني في نيويورك «جواد ظريف».
ظريف الذي هو اليوم وزير خارجية إيران، كان في ذلك الوقت، عام 2004 ممثلاً لإيران لدى الأمم المتحدة، ما جعله أيضاً سفيراً غير رسمي لطهران لدى الولايات المتحدة (نظراً لعدم وجود علاقات دبلوماسية رسمية بعد أزمة الرهائن بين عامي 1979 و1981).
كانا يلتقيان معه في نيويورك منذ العام 2004، وكان ظريف آنذاك يسوق كذباً وخداعاً لانفتاح النظام الإيراني.
أخذ أنتوني ريختر كيان للقاء ظريف عدة مرات في مكتبه في نيويورك وهناك وضعوا خططهم للعمل في إيران.
التقى كيان وريختر مع ظريف في نيويورك عدة مرات، أربع أو خمس مرات على الأقل، على مدار عامين، لوضع خططهما الطموحة لإصلاح النظام في طهران، وكان ظريف يوهم كيان بالوعود بالتوقيع على تلك المشاريع، ولكن في نفس الوقت يتم تسجيل تلك اللقاءات وإرسالها مباشرة إلى الاستخبارات الايرانية.
بعض أصدقاء كيان كانوا حذرين من أنه يخضع للمراقبة من قبل أجهزة الأمن تحت «مؤامرة أجنبية» ضد النظام. لكن كيان كان يؤمن بما يقوم به، وأقنعه شيء واحد أنه سيكون في أمان، وهو أن «مشروعه الإصلاحي» تلقى الضوء الأخضر من الدبلوماسي الإيراني في نيويورك «محمد جواد ظريف».
ففي غرفة الاستجواب وبعد بضع سنوات، علم كيان كيف كان ساذجاً باعتقاده أن هذا يعني أنه آمن، وأن موافقة ظريف لا تعني شيئاً، وأن القوة الحقيقية للنظام تكمن وراء الكواليس مع المرشد الأعلى آية الله خامنئي، ومجموعة من رجال الدين المتشددين وضباط الحرس الثوري وعملاء المخابرات.
لقد رأوا المبادئ التي تمثلها سوروس، في التبادل الحر للأفكار، وأولوية الحقوق الفردية، والحكومة المسؤولة بالكامل، باعتبارها عدوى غربية من شأنها أن تدمر الجمهورية الإسلامية في النهاية من الداخل. لقد سعوا لضمان ولاء الناس للنظام، وليس للحرية.
دفع كيان ثمنا باهظا لهذا السذاجة. ومع ذلك، حتى بعد إلقاء القبض عليه، وصدمة الاستجوابات، لم يتمكن من تحمل مغادرته وفقد بلده من جديد والعودة إلى الانجراف الذي لا أساس له في المنفى. فأوقف عمله السياسي، لكنه بقي في طهران، على أمل أن يتركوه وشأنه.
ولكن قبل 10 سنوات، جاءت حملة القمع الحقيقية. فبحلول عام 2009، كان المشروع الإصلاحي قد أغلق إلى حد كبير، وجهود الرئيس محمد خاتمي الرامية إلى الإصلاح الديموقراطي قد عرقلها مجلس صيانة الدستور غير المنتخب وأغلقت معظم الصحف، وأعاد الرئيس المتشدد محمود أحمدي نجاد، الجمهورية الإسلامية إلى موقفها الافتراضي الممثل في معادة الغرب وإنفاذ القواعد الاجتماعية الصارمة في البلاد.
كانت آخر حركة إصلاحية للإصلاحيين هي الحركة الخضراء عام 2009، عندما خرج مئات الآلاف من الإيرانيين إلى الشوارع للاحتجاج سلمياً على إعادة انتخاب أحمدي نجاد في تصويت يعتقدون أنه تم تزويره. كانت الاحتجاجات مثيرة للإعجاب بشكل كبير، لكن نظام الحكم تمكن من سحق أعدائه الإصلاحيين مرة واحدة وإلى الأبد.
في يوليو 2009، كان كيان خارج السجن لأكثر من عام، على أمل أن يتمكن من البقاء في البلاد من دون أي مضايقات.
كانت الحركة الخضراء تبني على مدار الأسابيع القليلة الماضية، وقوات الباسيج كانت تقمع تلك التظاهرات بوحشية. كان المتظاهرون يموتون في الشوارع وكان أي شخص لديه أدنى صلة بالإصلاحيين يتم اعتقاله، متهماً بالتآمر الواسع لإسقاط الدولة. ووجد كيان نفسه مرة أخرى في سجن إيفين.
لقد تحمل بضعة أشهر قاسية في الحبس الانفرادي قبل أن يتم نقله في النهاية إلى ظروف أفضل في سجن «فيلا» حيث كان نزلاؤه من الشخصيات المعروفة، ولكن كان الخوف من المشنقة يطاردهم جميعاً، والتقى هناك بصديقه مصطفى تاج زاده، مسؤول الانتخابات السابق في حكومة خاتمي.
ضمت مجموعة فيلا نائبين سابقين ورئيس البرلمان. مثل معظم القادة الإصلاحيين، فقد كانوا في السابق يقودون كوادر الثورة الإسلامية لكنهم تحولوا إلى نظرة أكثر ليبرالية في التسعينيات.
يقول راندولف: قال لي كيان عندما التقينا في نيويورك، بعد سنوات «إن تربيتي العلمانية الليبرالية لم تعطني أي إحداثيات تقريباً لفهم ما هي الدولة الثيوقراطية، والآن بعد أن شعرت بالمهانة تحت أحذيتهم، شعرت بأنه من المناسب القول إنهم برابرة ومجانين من فترة العصور الوسطى».
وأضاف أن فترة معايشته في السجون مع زملائه كانت مؤثرة للغاية بالنسبة له وقال «لقد عاشوا حياة بعيدة عن تجربتي، فهم عايشوا ثورة، وحرب دامت ثماني سنوات مع العراق، كان لديهم رؤى ووجهات نظر لم أكن مؤهلاً للحكم عليها شعرت أنه يجب علي الاستماع والتعلم منهم».
في أغسطس 2010، عشية محاكمتهم الجماعية، التي تضمنت أكثر من 100 مدعى عليه، كان المشهد مصمماً لسحق الحركة الخضراء بشكل نهائي.
تيقن كيان أن الإصلاحيين كانوا مخطئين، فهم لم يتمكنوا من التخلي عن آمالهم القديمة لإصلاح الجمهورية الإسلامية، وما زالوا يشعرون أنه يمكن جعل النظام متوافقاً مع المفهوم الغربي لحقوق الإنسان والديموقراطية.
لقد تخيل الإصلاحيون نظاماً به انتخابات حرة ومجتمع مدني غير مقيد، لكن مع الدين الذي لايزال متشابكاً تماماً مع السياسة. لقد كان النظام الإسلامي في إيران من بين الأكثر راديكالية في الأيام الأولى للثورة، وكان «أسوأ من أيام حكم طالبان في أفغانستان». ولكن بالنسبة للإصلاحيين كانوا بحاجة إلى الاعتقاد بأن كل هذا الجهد كان يستحق العناء.
وقال كيان: «يقول الإصلاحيون إنهم يضغطون من أجل التفسير الديموقراطي للإسلام الذي أراده الخميني حقا لإيران».
وخلال أشهره في الحبس الانفرادي في سجن إيفين، طلب كيان كامل الخطب والكتابات التي تعود لآية الله الخميني.
وقال كيان «لقد قرأت جميع المجلدات السبعة والعشرين من الغلاف إلى الغلاف، وتفاجأت جداً فمنذ عام 1960 وحتى النهاية، كان للخميني خطاً ثابتاً جداً، فهو ليس لديه ما يقوله عن الديموقراطية، ولا شيء يقوله عن الليبرالية».
كيان أصبح لاحقاً ضمن آخرين نشأوا في الخارج، وكتبوا مذكرات مدعين أنهم لم يسعوا أبداً للإطاحة بالجمهورية الإسلامية، لكن في نفس الوقت، زعموا أن كل ما أرادوه كان إيران أكثر علمانية وليبرالية.
أراد كيان أن يرى نفسه جزءاً من الصراع، إلى جانب ملايين الإيرانيين الآخرين، الذي ربما لم يكن له جدوى ولكنه معتقد كان يستحق القتال من أجله. إن جريمته الحقيقية لم تكن خيانة، بل سذاجة الاعتقاد بأن الجمهورية الإسلامية يمكن أن تكون متوافقة مع الديموقراطية على الطراز الغربي.
اليوم، الإصلاحيون هم قوة مستهلكة، ولا يزال بعض قادتهم رهن الاعتقال، وجميعهم تقريباً ممنوعون من ممارسة الحياة السياسية.
عمليا تم مسح كل أثر الرئيس الإصلاحي السابق خاتمي من الرأي العام وحتى وجهه وكلماته المحظورة من وسائل الإعلام. وفي ظل غياب أي خيار آخر، كان الإصلاحيون ملزمين بدعم «المعتدل» حسن روحاني في الانتخابات الرئاسية لعامي 2013 و2017. واستعار روحاني خطاب الإصلاحيين الخاص بالحقوق المدنية وتعهد بالإفراج عن قادتهم المعتقلين، لكن ليست لديه سلطة تذكر ولم يغير شيئاً. إن القوة الحقيقية تكمن مع القائد الأعلى لفيلق الحرس الثوري الذي يجيب عليه فقط.
بعد تهميش الإصلاحيين، اختار النظام بشكل منهجي كل أشكال التنظيم الأخرى التي تحاول أن تكون مستقلة عن العقيدة الجامدة، الكتاب، دعاة حماية البيئة، منظمي العمل.
لا يزال هناك مجال للنقاش السياسي، لكن النظام هو من يحدد الشروط. ولكن عندما تندلع أي احتجاجات حقيقية من حين لآخر يتم إخمادها بلا رحمة.
إذا كان هناك أي أمل في التغيير، فهو يكمن في حقيقة أن الكثير من المجتمع الإيراني قد توقف عن محاولة فرض الإصلاح السياسي على النظام، وبدلاً من ذلك يحاول العيش كما لو كان غير موجود.
ردت السلطات على علامات التمرد الثقافي بإلقاء القبض على فتيات يكشفن شعرهن، أو أطفال يمارسون الرقص.
ولكن مع ازدياد أعداد أولئك الذين يتجاهلون النظام، أصبح تيار التغيير الاجتماعي لا يقاوم، ويبقى أن نرى كيف سيتكيف النظام مع ذلك التغيير.
ليس من الواضح كيف سيتأثر هذا بحملة «أقصى ضغط» الذي تمارسه إدارة ترمب. حيث يجادل البعض بأنها ستجذب او ستجبر أمة يائسة على ثورة جديدة.
الحقيقة هي أن لا أحد يعلم كيف سيكون ذلك.
وأشار راندولف قائلاً «كان المزاج السائد الذي شعرت به عندما عشت في طهران بين أولئك الذين أرادوا التغيير مزعجاً. لقد وضعوا ثقتهم في الإصلاح التدريجي وفشلوا، ووضعوا ثقتهم في الصفقة النووية، مع تلك الوعود بالانتعاش الاقتصادي وهذا فشل أيضاً. وكانوا يعلمون أن نظاما قد أمضى سنوات شحذ قدرته على سحق أدنى تلميح من المعارضة والاضطرابات».
وتحدث كيان قائلاً «هناك فكرة تسود بأن الحرس الثوري لم يعد من المقاتلين، بل أصبحوا مافيا إجرامية، سمينة وسعيدة ومهتمون فقط بالسلع المادية، ولكنهم لن يتخلوا أبداً عن اعتقادهم الأساسي بأن سياسات الغرب غير عادلة وغير شرعية».
وخلال المحاكمة الجماعية قبل كيان أخيراً بأنه لم يكن هناك مكان له في جمهورية إيران الإسلامية، مهما كانت جذوره تجعله يائساً في البقاء.
لكن الأمر استغرقه عدة سنوات للخروج. فقد حُكم عليه بالسجن لمدة 15 عاماً، وخُفف في وقت لاحق إلى 5 سنوات من الإقامة الجبرية، ثم في عام 2015 أصبح ضمن الشروط في المفاوضات مع واشنطن التي أدت إلى الصفقة النووية.
وبقيت المحادثات حول قضية كيان سرية لأنه، إذا ساءت الأمور، فإنه لا يريد أن يُعاد إلى السجن مع الرهائن الآخرين للنظام، بمن فيهم الصحفي في الواشنطن بوست جيسون رضيان، وإذا فشلت المحادثات، فلن يغادر.
وفجأة، تلقى كيان مكالمة في 15 يناير 2016 من رئيس قسم المصالح الأمريكية في السفارة السويسرية يخبره بأن أمامه 10 دقائق ليقرر ما إذا كان يريد المغادرة تلك الليلة على متن طائرة عسكرية سويسرية.
قد تكون فرصته الوحيدة للخروج لكنه اشترط أن يأخذ زوجته وطفليه معاً كمواطنين أحرار.
لقد كانت مقامرة، لكن في النهاية سارت الأمور في طريقها الذي أراد. ففي صباح اليوم التالي، اتصلت وزارة الخارجية تقول إن جواز سفر كيان جاهز ويمكن للعائلة المغادرة عندما يرغبون.
وقبل أن يغادر تاج بخش، كان لديه لقاء أخير مع ضابط الحرس الثوري، الذي كان عليه أن يسجله كل أسبوع طوال السنوات الست الماضية. وسأله كيان «هل سأرى إيران مرة أخرى؟».
بعد كل هذا، كان التخلي عن الوطن بالنسبة لكيان لا يزال مؤلماً.
قال الضابط: «لماذا لا تستمتع بالمعيش في الغرب لفترة».
كيان تاج بخش، الذي التقاه الصحفي راندولف في مقهى (أبر ويست سايد) في نيويورك، يعيش اليوم وعائلته في الولايات المتحدة ويعمل أستاذاً للهندسة المعمارية والتخطيط.