-A +A
بشير أحمد الأنصاري*
في المقال الذي سبق، تحدثنا عن «التأخير والتعجيل في تلبية رغبات النفس» ودور الصيام في إنضاج الشخصية من الناحية السيكولوجية، وفي هذا المقال نشير إلى تجربة علمية معروفة في مجال علم النفس ولها علاقة وطيدة بموضوعنا قامت بها أشهر الجامعات في العالم وهي جامعة ستانفورد.

تحتل جامعة ستانفورد الأمريكية مكانة عالية وسط المؤسسات الأكاديمية في العالم. وقد ساهمت بدراساتها في العديد من الاكتشافات في تاريخ العلم، وقد أجريت إحدى الدراسات الشهيرة في هذه الجامعة سميت تجربة المارشميلو (نوع من الحلوى). وقد أجريت هذه التجربة في بداية سبعينات القرن العشرين على 600 طفل وطفلة في سن الرابعة والخامسة من قِبل عالم نفسي يُدعى «والتر ميشيل». قام العالم النفسي وفريق عمله بتخيير كل طفل بين أخذ قطعة حلوى على الفور أو الحصول على قطعتيّ حلوى بعد الانتظار لمدة ربع ساعة. اختار عدد من الأطفال أخذ قطعة واحدة دون انتظار، واختار عددٌ آخر الانتظار وأخذ القطعتين. قام المُختبِر بتسجيل بيانات جميع الأطفال وبعد مرور 12 عاما قيّم السمات الشخصية لدى المجموعتين، ووجد أن جميع أفراد المجموعة الأولى الذين لم يصبروا وسارعوا بأخذ قطعة الحلوى الوحيدة يتسمون بصفات سلبية كالعجرفة والطمع والحسد وعدم القدرة على الصبر، كما لاحظ تدني مستوياتهم التعليمية، وفي المقابل وجد أن أفراد المجموعة الثانية الذين صبروا واستحق كلٌ منهم قطعتي حلوى يتصفون بصفات إيجابية منها قوة الشخصية والثقة في النفس والصبر والمثابرة والقدرة على تحدي الظروف، ويتمتعون بقدرات عالية على الصعيد التعليمي، وكانت درجة تعاطيهم للمخدرات أقل، وإصابتهم بالسمنة أقل، كما أن درجاتهم في امتحان القدرات الأمريكي SAT عالية ومميزة.


خلصت التجربة إلى أنه إذا أردت النجاح في حياتك عليك بالانضباط والسيطرة على النفس وتأجيل الاستمتاع، وهذه هي المفاهيم التي يختصر فيها جوهر الصوم وحكمته.

يمر الإنسان دائما بفرص لتحسين القدرة على الصبر والتحمل، ويُعتبر الصيام –بأحكامه وآدابه– فرصة ذهبية لتدريب الإنسان المسلم على تأجيل الاستمتاع اللحظي واكتساب هذه الصفة التي لها أهميتها في صعود الإنسان نحو القمة في جميع مجالات الحياة.

إن متع الحياة تستحق انتظارها، وللصائم فرحتان، بل أكثر من فرحة في مسيرة الحياة.

* محاضر بجامعة (إس إم يو) بولاية تكساس الأمريكية سابقا