صالح زمانان
صالح زمانان
-A +A
علي فايع (أبها) alma3e@
لا يعترف الشاعر والكاتب المسرحي صالح زمانان بطقوس الكتابة المعقدة والمركبة التي عرف بها بعض الكتاب والشعراء، لكنه يقرّ بأن شهر رمضان بالتحديد يمتاز بسعة في الوقت مكنته من إنجاز العديد من المشاريع المؤجلة. واقترن رمضان في ذاكرته بالصوم صغيراً، والشتاء وحكايات جدته والمدرسة أول النهار، وطعام أمه الذي تفوح رائحته عصراً.. المزيد من هذه الذكريات في الحوار التالي:

• هل من طقوس خاصة بك كشاعر في رمضان تختلف عنها في بقية الشهور؟


•• أظن أنني بعيد عن طقوسيات الكتابة المعقدة والمركبة التي عُرف بها بعض الكتّاب والشعراء، لكن شهر رمضان يمتاز عن غيره من الشهور بسعة الوقت عندي، وغالباً ما آخذ إجازة، ما يجعل وقت القراءة والكتابة والمشاهدة في رمضان أرحب من غيره في العادة.

• ماذا عن الإنتاجية على المستوى الإبداعي في رمضان؟

•• في السنوات الأخيرة، استطعتُ أن أجعل شهر رمضان، موسماً للمراجعة، والعودة لما سبق كتابته، وما يجب تحريره من الملفات الموجودة مسبقاً، سواء كانت ملفات شعرية أو مسرحية، أو حتى بحثية. أعتقد أن عامل خفّة الجسد من الطعام والهضم، وعامل الهدوء، يجعلان التركيز أعلى، والحواس أكثر حساسية.

وغالباً ما أكتب أيضاً، فالمراجعة ينتج عنها التعديل، وفي أحيان أخرى يكون التعديل جذرياً بعد فراق النص الأول وانطفاء العلاقة العاطفية معه، ويحدث معي هذا كثيراً في المسرحيات التي أكتبها، وأعود إليها.

• الزيارات الرمضانية كم تأخذ من وقتك ولمن تكون في الغالب؟

•• إن تكويني الاجتماعي وعادات مسقط رأسي «نجران» تحتم عليّ بعضاً من الأعمال والواجبات الاجتماعية التي تتصدرها العلاقات الوثيقة بالأقارب، ما يجعل زيارتهم وكذلك استقبالهم أمراً محسوماً. وتُنسق هذه الزيارات في رمضان غالباً على شكل وليمة تجمعنا للإفطار أو السحور؛ لذا فغالبية الزيارات تكون لمنازل أقاربي -كبار السن والمرضى- إلاّ أنّ الأصدقاء أيضاً لهم جزء كبير من وقت الزيارات واللقاءات.

• ما النص الذي كتبته في رمضان وكان له حضوره المميز؟

•• قبل عامين، لظروف العمل الثقافي اضطررت إلى السفر صوب المنطقة الشرقية في شهر رمضان. واستضافني صديقي الشاعر الكبير أحمد المُلا بكرمه المعهود في منزله، وبعد أن عدتُ إلى نجران، كتبتُ نصاً وأهديته له، وهذا النص قريب جداً إلى نفسي وله حضور مميز في ذاتي. أتذكر هذا النص، كما أتذكر أني كتبتُ في رمضان أيضاً مسرحية «سراة الشعر والكهولة»، التي عُرضت في افتتاح سوق عكاظ 2015، وكان لها حضور لا ينسى.

• قصتك مع رمضان كيف بدأت؟ وكيف هي ذاكرتك الأولى معه؟

•• لقد صُمْتُ صغيراً جداً، ربما في السادسة من عمري، حيث كانت كل الأيام حلوة وعميقة، وكل الليالي آسرة وغالية، فرمضان وقتها كان مقروناً بالشتاء، وبجدتي -رحمها الله- وبتجمعنا جميعاً -عائلة أبي وعائلة عمي- في بيتها الصغير الذي كان يتوسط بيوتنا ويسوّرها كلها سور واحد. كما اقترن رمضان وقتها بالمدرسة أول النهار، وبطعام أمي الذي تفوح رائحته عصراً، ولا أعتقد أنني سأنسى ذلك الطعم وتلك الرائحة ما حييت. لهذا فذاكرة الطفولة عامرة بالتفاصيل الجمالية التي كانت تهزّ جسد الحياة، فيتساقط معناها وجدواها.

• ما أكثر الأشياء التي تجذبك إليها في رمضان؟

•• بطبيعة الحال أكثر ما يجذبني في هذا الشهر الكريم هو العائلة، حيث إن اجتماعي بهم يكون مكثفاً وواضحاً، فأنا كثير السفر خلال العام، وإذا كنت في نجران فإنني منهمك في العمل المتراكم، وفي اشتغالات القراءة والكتابة والمسرح والأفلام؛ وهذا يغيبني عن أثمن أوقات العمر في رفقة أهلي.

• يقال إن رمضان شهر يكسر عادات الناس، ما العادات التي يكسرها رمضان في حياتك؟

•• القهوة، القهوة. أنا رجل مدمن على شرب القهوة، ولا شك أن هذا يقل كثيراً خلال هذا الشهر الكريم، وهو ما يؤثر إيجاباً على صحتي، خصوصاً بعد أن تمر الأيام الأولى ويزول الصداع.

• هناك من يكرس شهر رمضان لقراءة نصوص أساسية في الثقافة الإسلامية، هل من كتب معينة يعيدك إليها رمضان؟

•• لستُ من القراء الموسميين بالمرة، لا على مستوى الزمن ولا على مستوى نوعية الكتب، وإن جاءت قراءة كتاب أو بحث يختص بالثقافة الإسلامية في رمضان، فهو بالنسبة لي محض صدفة أو ظروف لا تُعنى مباشرة بالشهر الفضيل، إلا أنني أقرأ القرآن الكريم في شهر رمضان بشكل يومي، وهو ما لا أفعله للأسف إلا في بعض أيام الجمعة.

• بماذا يختلف رمضان في نجران عنه في بقية مناطق المملكة؟

•• نجران من نسيج المجتمع السعودي بطبيعة الحال، ومتقارب لحد كبير مع بقية أقاليمه، خصوصا الجنوبي منها، لكني أزعم بأن نجران ما زالت في رمضان والأعياد تحافظ على التواصل العائلي، وتقاوم الأفكار الداعية لتضييق وتحجير العائلة، وأعني بالعائلة هنا الأسرة الكبيرة التي تجتمع فيها الأرحام، وقد لاحظت أن هذا قليل ويضيق في بقية مناطق المملكة للأسف.

وفي ملامح أخرى، أكثر تفصيلاً، يعجبني ويذهلني كبار السن وقت أذان المغرب، فرغم وجود المساجد في كل مكان، وسماع الأذان من مكبرات الصوت في كل جهة، إلا أنهم يخرجون في هواء المزارع الطلق على ضفاف وادي نجران، ويصدحون بالأذان، بصوت يختصر العمر والذاكرة والحياة، يعلو فوق النخيل، ويخترق الحي القريب بشكل عجائبي وروحاني بديع.

• أخيراً.. حدثنا عن مشاريعك المؤجلة؟

•• انتهيت قبل أيام من مسرحية جديدة بعنوان «حبوس» أعتقد أن فيها تجربة جديدة، كما أحاول الانتهاء من بحث طويل قد يتحول لكتاب في السنة القادمة، إضافة إلى بعض المشاريع الفنية، التي ما زالت قيد ورشة التفكير والكتابة، يهتم بعضها بأجزاء من تراث وآثار نجران وجنوب الجزيرة العربية بطريقة فنية جديدة وغير معهودة، ولا شك أن الأفكار مستجدة، والأحلام كثيرة، لكن العبرة في مجالنا هذا هو العمل والاشتغال على مشروع ذي جودة، فالإنتاج بحد ذاته -مجرداً- ليس بفضيلة ولا غاية.