لعل إهمال آثار حليمة السعدية مرضعة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وتقويض ما تبقى منها ارتبط بزمن الخوف من الابتداع والتبرك الذي كانت جهات عدة تتبناه خشية وقوع المسلم في الشرك مجدداً. في قرية الذؤابة التابعة لمركز بني سعد (75 كيلومترا ــ جنوبي الطائف) يقع بيت ومسجد حليمة السعدية، وكانا من المعالم السياحية الأثرية التي يرتادها الزوار من جميع الجنسيات من داخل وخارج المملكة. وإثر عوامل التعرية ومياه الأمطار، انجرف «محراب» المسجد، ما أدى إلى انجراف الحجارة الأخرى المحيطة بموقع المسجد، وسقوط سور المقبرة المجاورة لموقع المسجد الأثري. ويذكر المؤرخون أن بناء مسجد حليمة كان في القرن الإسلامي الأول وظلّ قائما حتى عام 1400من الهجرة، إذ يؤكد أهالي المنطقة أن أحد فاعلي الخير من الكويت أراد إعادة تأهيله فتمت عملية هدمه لإعادة بنائه وتأهيله، وتم إيقاف المشروع، ليتولى الأهالي بجهود ذاتية وفردية الحفاظ على ما تبقى من معالم وآثار المسجد، الذي طالته أيادي العبث والتخريب. إلا أن حضور القرية يحفظ أثر منزل مرضعة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، إذ عاش بها النبي (عليه السلام) سنوات طفولته الأولى بحكم أن عادة أشراف قريش أن يدفعوا بأطفالهم إلى مراضع من البادية ليعيش الطفل في هواء البادية الصحي ويتربى على فصاحة اللسان فيقوى جسمه ويصح بدنه ويفصح لسانه، والتمس عبد المطلب المراضع لحفيده بين نسوة قدمن من بني سعد إلى مكة يلتمسن الرضعاء، وكان من بينهن حليمة السعدية، فما بقيت واحدة منهن إلا أخذت طفلاً إلا حليمة. لم تجد سوى محمد (صلى الله عليه وسلم) فامتنعت عن أخذه لأنه يتيم الأب، إلا أنها كرهت أن ترجع من غير رضيع ما دفعها لأخذه، فانقلب الحال في منطقة سكنهم وإقامتهم، إثر ما كانوا يعانون من القحط والجدب إلى أفضل حال، وامتلأ الضرع، واخضرت الأرض. مكث عليه السلام عامين كاملين في بني سعد، إلى أن فطم. وكانت حليمة السعدية تأخذه لزيارة أمه بين الحين والآخر، وبعدما فطم الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، أرادت حليمة السعدية أن تبقيه معها في البادية، وذلك بسبب ما رأته منه من بركة حلت عليها وعلى قومها، فاستطاعات إقناع السيدة آمنة بنت وهب بذلك، وبالفعل بقي الرسول معها مدة أخرى من الزمن، ولما بلغ الخامسة من عمره وقعت حادثة شق الصدر، فخشيت عليه وأرجعته لأهله.