بما لا يقل عن قريناتهن في المناطق الأخرى من المملكة، تتمتع النساء في عسير بفرصة العيش في عصر المرأة الذهبي من ناحية التمكين والمشاركة وكذلك الفاعلية، ذلك تبعاً لما فرضته المتغيرات الجديدة التي رافقت فترة الانفتاح الثقافي الذي تمر به المملكة بوجه عام، حيث أصبحت المرأة تشارك ويبرز دورها على العديد من الأصعدة وخاصة فيما يتعلق بتنمية المكان وثقافته ومظاهر فنونه متعددة الشكليات.
بالعودة إلى السياق التاريخي والخصوصية الثقافية التي عرفت بها منطقة عسير، فقد كان للمرأة قبل عام 79 دور مهم وأساسي وفاعل في حياتها الاجتماعية والأسرية والعملية، وقد كانت تشارك وتعمل في الحقول جنباً إلى جنب مع الرجل، باعتبار الزراعة آنذاك هي المدخل الاقتصادي الأساسي للأسرة، وبالتالي فإن وجود هذه الصورة الذهنية للدور الذي كانت تقوم به المرأة سابقاً على المستوى التاريخي، جعل العودة لممارسة هذا الدور أمراً سهلاً.
اليوم نجد النساء في عسير قد خرجن للعمل في بيئات مختلفة لم تكن خلال الثلاثين عاماً الماضية أعمالاً تقليدية، أضفن بصمتهن الخاصة وخرجن للميادين المتاحة لهن بالعمل وكسب الرزق، عملن في إعداد الأطعمة المنزلية وبيعها في السوق بالطريقة التي يقابلها الإقبال الشديد من المستهلكين، شاركن في رسم الجداريات والنحت والفنون الجميلة، نجد النساء اليوم في المعارض والمناسبات الموسمية يبرزن بأعمالهن ويقدمن أفضل ما يمكن لهن تقديمه.
تبرز هوية المكان بشدة في الأعمال التي يقدمنها النساء كالمأكولات والفنون بالطريقة التي تساهم في تشكيل الصورة الحضارية عن تاريخه، وقلما نجد أن هذا الاتجاه قد أخذ صفة المرونة في التعامل مع الأفكار العصرية أو الحداثية، فلا يزال مقاوماً للأساليب العصرية، ما يفسر مستوى تمسك المنطقة بهويتها وتاريخها، إلا أن هناك من الجانب الآخر اتجاهات فنية لدى بعض الشابات تحاول الجمع ما بين الهوية والتراث وطابع الحداثة، ومن السهل ملاحظاتها في المشغولات اليدوية والحلي والملابس على سبيل المثال، ولكن ذلك يتم بطريقة التعريف بالهوية التقليدية للمنطقة وتجسيد الحالة الاجتماعية لإنسانها.
خرجت المرأة في عسير لكسب رزقها بالعمل وأنقذت نفسها من مأزق البطالة، فتجلت لديها القدرة على الإبداع في شتى المجالات من خلال الفرص المتاحة أمامها، وفي ذلك الأخذ بالبعد الاقتصادي الهام في حياة المرأة على المستوى الاجتماعي والتنموي، فلم تكن المرأة في عسير متأخرة عن غيرها من النساء في المناطق الأخرى، على اعتبار أن المرأة بشكل خاص هي الأكثر تأثراً بالتغيير.
أوجدت قرارات التمكين بيئة تنموية متوازنة حظيت المرأة العسيرية بنصيبها منها، فالصفوف الخلفية لا تناسبهن على حد تعبيرهن في أحد متابعات «عكاظ» لحالة المرأة في عسير وفق تقرير منشور بها قبل عامين، والذي تناول واقع المرأة ومستقبلها في المنطقة، ما يفسر سعيهن في إثبات الجدارة والدور الفاعل وتحقيق الطموح للمشاركة في الدور التنموي والاقتصادي، ولم يكن ذلك بعيداً، فالعديد من النساء في عسير اليوم يعرفن بسمعتهن الأدبية والفنية والعلمية، ويشغلن المناصب القيادية، ويمارسن المهن التي لم تعتد المرأة أو المجتمع في السابق على العمل فيها.
النساء في عسير يخطين خطوات ثابتة نحو طموحهن، ويسعين لتحقيق ما يمكنهن تحقيقه على صعيد الذات والمجتمع، حتى وإن كان الأمر في جانب منه قائماً على اجتهاداتهن الشخصية، فهن بذلك يؤكدن على أن شراكة المرأة أصبحت ضرورة لا ترفاً أو وجاهة اجتماعية، بالتالي فقد تغيرت نظرة المرأة عن نفسها والدور الذي يجب أن تقوم عليه في كثير من الحالات التي تبرز بشدة على مظاهر المجتمع في عسير بالشكل الذي يبرز حضورها البارز في المشهد، والكثير منهن على جاهزية ومقدرة في التميز والإبداع.