لم يأسر سحر وجمال اللغة العربية عقول وأفئدة محبيها وعشاقها من أبنائها فحسبْ، بل امتد ليشمل كثيراً من المستشرقين الذين عبّروا بكلماتهم عن مدى انبهارهم ودرجة تقديرهم لهذه اللغة الخالدة التي تتفرد دون غيرها من اللغات بالفصاحة والبلاغة والسعة والبيان، وغير ذلك من الخصائص والميزات. وقد أثبت التاريخ أن الغرب عموماً ومستشرقيه خصوصاً، قد نهلوا من معين اللغة العربية وتزوّدوا من ثقافتها، إذ كان إتقان العربية شرطاً أولياً لمن أراد أن يدرس الحضارة ويتثقف بالعلم والمعرفة. تطورت حركة الاستشراق وتوسعت اهتماماتها ودراساتها، وكانت أبرز أبحاثها عن مواضيعَ لغوية وضعت اللغة العربية تحت مجهر الغرب، فكيف وصفوا بلاغتها، وماذا قالوا عن فصاحتها: قالت المستشرقة الألمانية زيغريد هونكة: كيف يستطيع الإنسان أن يقاوم جمال هذه اللغة، ومنطقها السليم، وسحرها الفريد؟ فجيران العرب أنفسهم في البلدان التي فتحوها سقطوا صرعى سحر تلك اللغة، فلقد اندفع الناس الذين بقوا على دينهم في هذا التيار يتكلمون اللغة العربية بشغفٍ، حتى أن اللغة القبطية مثلاً ماتت تماماً، بل إن اللغة الآرامية قد تخلت إلى الأبد عن مركزها لتحتل مكانها لغة محمد. أما الألماني نولدكه فأورد في نصوصه عن اللغة العربية أنها لم تصبح حقاً عالميةً إلا بسبب القرآن والإسلام، وقد وضع أمامنا علماءُ اللغة العرب باجتهادهم أبنية اللغة الكلاسيكية، وكذلك مفرداتها في حالة كمالٍ تامّ، وأنه لا بد أن يزداد تعجب المرء من وفرة مفردات اللغة العربية. ويقول جوستاف جرونيباوم: .. وتزين الدقة ووجازة التعبير لغة العرب، وتمتاز العربية بما ليس له شبيه من اليسر في استعمال المجاز، وإن ما بها من كنايات ومجازات واستعارات ليرفعها كثيراً فوق كل لغة بشرية أخرى.