-A +A
فهد البندر fahadalbandar@
الشعر عند العرب لم يكن قولاً عابراً، بل كان فضاءً واسعاً يعبر فيه العربيّ عن أحاسيسه فيرسمها في لوحة رسامٍ، كأن من يقرأها أو يسمع بها، يعيش تفاصيلها، تملؤها الحكمة الأخاذة، والأخلاق السامية الرفيعة، أنغامٌ موسيقيّةٌ تطرب المسامع، وترق لها الأفئدة، متوازنة بلا خلل، ممتعة بلا ملل، يعتز به أهله ويفتخرون بكل ما فيه.وإن شابته بعض الشوائب لا تعكر صفوه الجميل.

جندح الكنديّ، أبوه حجر بن الحارث بن عمرو (آكل المرار) ملك أسد وغطفان وعظيمها، وأمّه فاطمة بنت ربيعة


التغلبي وخالاه وائل (كليب) وعدي (مهلهل) الفارسان المشهوران، اشتهر جندح بلقب امرئ القيس وهو شاعر

من منزلةٍ عَليّةٍ، بَرز في فترة ما قبل الإسلام ويعدّه الباحثون رأس شعراء العربية، وأحد أبرزهم في التاريخ، اختلفت المصادر في تسميته، فجاء أن اسمه جندح وحندج ومُليكة وعَدي، وهو من يُعرف في كتب التراث العربية بألقاب عدة، منها: المَلكُ الضِّلّيل وذو القروح وكُني بأبي وهب، وأبي زيد، وأبي الحارث. وهو أحد أصحاب المعلّقات المشهورة، التي يقول فيها متغزلاً:

أفاطِمَ مَهْلًا بَعْضَ هَذَا التَّدلُّلِ

وإِنْ كُنْتِ قَدْ أزمَعْتِ صَرْمِي فَأَجْمِلِي

وَإنْ تكُ قد ساءتكِ مني خَليقَةٌ

فسُلّي ثيابي من ثيابِكِ تَنْسُلِ

أغَرَّكِ مِنِّي أنَّ حُبَّكِ قَاتِلِي

وأنَّكِ مَهْمَا تَأْمُرِي القَلْبَ يَفْعَلِ؟

وَمَا ذَرَفَتْ عَيْنَاكِ إلاَّ لِتَضْرِبِي

بِسَهْمَيْكِ فِي أعْشَارِ قَلْبٍ مُقَتَّلِ

إذا التفتت نحوي تضوّع ريحُها

نسيمَ الصَّبا جاءت بريا القرنفُلِ

مُهَفْهَفَةٌ بَيْضَاءُ غَيْرُ مُفَاضَةٍ

تَرَائِبُهَا مَصْقُولَةٌ كَالسَّجَنْجَلِ

كَبِكْرِ المُقَانَاةِ البَيَاضَ بِصُفْرَةٍ

غَذَاهَا نَمِيْرُ المَاءِ غَيْرُ مُحَلَّلِ

تَصُدُّ وتُبْدِي عَنْ أسِيْلٍ وَتَتَّقي

بِنَاظِرَةٍ مِنْ وَحْشِ وَجْرَةَ مُطْفِلِ

وجِيْدٍ كَجِيْدِ الرِّيمِ لَيْسَ بِفَاحِشٍ

إِذَا هِيَ نَصَّتْهُ وَلاَ بِمُعَطَّلِ

وفَرْعٍ يَزِيْنُ المَتْنَ أسْوَدَ فَاحِمٍ

أثِيْثٍ كَقِنْوِ النَّخْلَةِ المُتَعَثْكِلِ

غَدَاثِرُهُ مُسْتَشْزِرَاتٌ إلَى العُلا

تَضِلُّ العِقَاصُ فِي مُثَنَّى وَمُرْسَلِ

وكَشْحٍ لَطِيفٍ كَالجَدِيْلِ مُخَصَّرٍ

وسَاقٍ كَأُنْبُوبِ السَّقِيِّ المُذَلَّلِ

وتَعْطُو بِرَخْصٍ غَيْرَ شَثْنٍ كَأَنَّهُ

أَسَارِيْعُ ظَبْيٍ أَوْ مَسَاويْكُ إِسْحِلِ

تُضِيءُ الظَّلامَ بِالعِشَاءِ كَأَنَّهَا

مَنَارَةُ مُمْسَى رَاهِبٍ مُتَبَتِّلِ

وَتُضْحِي فَتِيْتُ المِسْكِ فَوْقَ فِراشِهَا

نَؤُومُ الضَّحَى لَمْ تَنْتَطِقْ عَنْ تَفَضُّلِ

إِلَى مِثْلِهَا يَرْنُو الحَلِيْمُ صَبَابَةً

إِذَا مَا اسْبَكَرَّتْ بَيْنَ دِرْعٍ ومِجْوَلِ

تَسَلَّتْ عَمَايَاتُ الرِّجَالِ عَنْ الصِّبَا

ولَيْسَ فُؤَادِي عَنْ هَوَاها بِمُنْسَل