-A +A
إعداد: علي الكاملي (جدة) okaz_online@
الشعر عند العرب لم يكن قولاً عابراً، بل كان فضاءً واسعاً يعبر فيه العربيّ عن أحاسيسه، فيرسمها في لوحة رسامٍ، كأن من يقرأها أو يسمع بها، يعيش تفاصيلها، تملؤها الحكمة الأخّاذة، والأخلاق السامية الرفيعة، أنغامٌ موسيقيّةٌ تطرب المسامع، وترقّ لها الأفئدة، متوازنة بلا خلل، ممتعة بلا ملل، يعتز به أهله ويفتخرون بكل ما فيه، وإن شابته بعض الشوائب لا تعكر صفوه الجميل.

وشاعرنا اليوم هو الحادرة الذبياني أو الحويدرة (على التصغير)، وهو الضخم أو السمين، ولقب بذلك، لأن أحد أصحابه شبهه بالضفدع الغليظة، فقال:


كأنك حادرة المنكبيـ.......ـن رصعاء تنقض في حائر

واسمه قضبة بن محصن بن جرول بن حبيب بن عبدالعزى بن خزيمة بن ذبيان بن غطفان، وهو شاعر جاهلي مقل، وبين أيدينا قصيدة اختارها المفضلي في مفضلياته، والأصمعي في أصمعياته، يقول فيها:

بَكَرَتْ سُمَيَّةُ بُكْرَةً فَتَمَتَّعِ

وغَدَتْ غُدُوَّ مُفَارِقٍ لم يَرْبَعِ

وتَزَوَّدَتْ عَيْني غَدَاةَ لَقِيتُها

بِلِوَى البُنَيْنَةِ نَظْرةً لم تُقْلِعِ

وتصدَّفَتْ حتَّى اسْتَبَتْكَ بواضِحٍ

صَلْتٍ كمُنْتَصِبِ الغَزَالِ الأَتْلَعِ

وبِمُقَلتَيْ حَوْرَاءَ تَحْسِبُ طَرْفَها

وَسْنَانَ، حُرَّةِ مُسْتَهَلِّ الأَدْمُعُ

وإِذا تُنَازِعُكَ الحدِيثَ رأَيتَها

حسناً تَبَسُّمُها، لذيذَ المَكْرَعِ

بِغَرِيضِ ساريةٍ أَدَرَّتْهُ الصَّبا

مِن ماءٍ أسْجَرَ طَيِّبِ المُسْتَنْقَعِ

ظَلَمَ البِطاحَ لهُ انهلالُ حَرِيصةٍ

فَصَفا النِّطافُ لهُ بُعَيْدَ المُقْلَعِ

لَعِبَ السُّيُولُ به فأَصبَحَ ماؤُهُ

غَلَلاً تَقَطَّعَ في أصولِ الخِرْوَعِ

أَسُمَّيَ وَيْحَكَ هل سمعتِ بِغَدْرَةٍ

رُفع اللِّوَاءُ لنَا بِها في مَجمعِ

إِنَّا نَعِفُّ فلا نُرِيبُ حَلِيفَنَا

ونكُفُّ شُحَّ نُفوسِنا في المَطْمَعِ

ونَقِي بِآمِنِ مَالِنَا أَحسابَنا

ونُجِرُّ في الهَيْجا الرماحَ ونَدَّعِي

ونَخُوضُ غَمْرَةَ كلِّ يومِ كَرِيهةٍ

تُرْدِي النُّفوسَ وغُنْمُها لِلأَشْجَعِ

ونُقيمُ في دارِ الحِفاظِ بُيُوتَنا

زَمناً، ويَظْعَنُ غَيْرُنا لِلأَمْرَعِ

ومَحَلِّ مَجْدٍ لا يُسَرِّحُ أَهلُهُ

يومَ الإِقامةِ والحُلولِ لِمَرْتَعِ

فسميّ ما يدريك أنْ رُبَ فتيةٍ

باكرت لذتهم بأدكنَ مُترع

بَكَرُوا عليَّ بِسُحْرَةٍ فَصَبحْتُهمْ

مِن عاتقٍ كَدَمِ الغزالِ مُشَعْشَعِ

ومُعَرَّضٍ تَغْلِي المَرَاجِلُ تحتَه

عَجَّلْتُ طَبْخَته لرَهْطٍ جُوَّعِ

ومُناخِ غَير تَئِيَّةٍ عَرَّسْتَهُ

قَمَنٍ منَ الحَدْثَانِ نابِي المَضْجَعِ