الشعر عند العرب لم يكن قولاً عابراً، بل كان فضاءً واسعاً يعبر فيه العربيّ عن أحاسيسه، فيرسمها في لوحة رسامٍ، تملؤها الحكمة الأخّاذة، يعتز به أهله ويفتخرون بكل ما فيه، وإن شابته بعض الشوائب لا تعكر صفوه الجميل، ومن الشعراء: أبو تمام حبيب بن أوس بن الحارث الطائي، (188هـ - 232هـ)، تحوَّل من سقّاء في مسجد عمرو بن العاص في مصر إلى أحد أشهر الشعراء في العصر العباسي، ولعلّ أهم ما يميز أسلوب أبي تمام الشعري سعيه نحو التفرد، فتمكّن من صبغ قصائده بطابعٍ خاص، وأسلوب متفرد.
كان حاد الذكاء، حاضر البديهة، مفحماً لخصومه؛ لقيه أبو العميثل في قصر عبدالله بن طاهر في خراسان، وقرأ مطلع قصيدته المشهورة:
أهُنَّ عواديْ يوسفٍ وصواحِبُهْ
فعَزْماً فَقِدْماً أدرَكَ السُؤلَ طالْبُهْ
قال له أبو العميثل: لمَ لا تقول ما يُفهَم؟ فأجابه: ولمَ لا تفهم ما يُقال؟
وصفه أبو الفرج الأصفهاني بقوله: «ما كان أحدٌ من الشعراء يقدر على أن يأخذ درهماً في حياة أبي تمام، فلما مات اقتسم الشعراء ما كان يأخذه».
يتكلّف بعض الغريب أو يحمِّل الألفاظ أكثر مما تحمل، ولذلك أنكر عليه النقاد هذا التكلف في التعبير. وكان علماء اللغة والنحو يصدّون عن شعره. ومن جميل قصائده قوله:
وَراءَكَ عَن شاكٍ قَليلِ العَوائِدِ
تُقَلِّبُهُ بِالرَملِ أَيدي الأَباعِدِ
يُراعي نُجومَ اللَيلِ وَالهَمَّ كُلَّما
مَضى صادِرٌ عُنّي بِآخَرَ وارِدِ
تَوَزَّعَ بَينَ النَجمِ وَالدَمعِ طَرفُهُ
بِمَطروفَةٍ إِنسانُها غَيرُ راقِدِ
وَما يَطَّبيها الغُمضُ إِلّا لِأَنَّهُ
طَريقٌ إِلى طَيفِ الخَيالِ المُعاوِدِ
ذَكَرتُكُمُ ذِكرَ الصِبا بَعدَ عَهدِهِ
قَضى وَطَراً مِنّي وَليسَ بِعائِدِ
إِذا جانَبوني جانِباً مِن وِصالِهِم
عَلِقتُ بِأَطرافِ المُنى وَالمَواعِدِ
فَيا نَظرَةً لا تَنظُرُ العَينُ أُختَها
إِلى الدارِ مِن رَملِ اللَوى المُتَقاوِدِ
هِيَ الدارُ لا شَوقي القَديمُ بِناقِصٍ
إِلَيها وَلا دَمعي عَليها بِجامِدِ
وَلي كَبِدٌ مَقروحَةٌ لَو أَضاعَها
مِنَ السُقمِ غَيري ما بَغاها بِناشِدِ
أَما فارَقَ الأَحبابَ قَبلي مُفارِقٌ
وَلا شَيَّعَ الأَظعانَ مِثلي بِواجِدِ
تَأَوَّبَني داءٌ مِنَ الهَمِّ لَم يَزَل
بِقَلبِيَ حَتّى عادَني مِنهُ عائِدي
تَذَكَّرتُ يَومَ السِبطِ مِن آلِ هاشِمٍ
وَما يومُنا مِن أَلِ حَربٍ بِواحِدِ
وَظامٍ يُريغُ الماءَ قَد حيلَ دونَهُ
سَقوهُ ذُباباتِ الرِقاقِ البَوارِدِ
أَتاحوا لَهُ مُرَّ المَوارِدِ بِالقَنا
عَلى ما أَباحوا مِن عِذابِ المَوارِدِ
بَنى لَهُمُ الماضونَ آساسَ هَذِهِ
فَعَلّوا عَلى آساسِ تِلكَ القَواعِدِ
رَمَونا كَما يُرمى الظَماءُ عَنِ الرَوا
يَذودونَنا عَن إِرثِ جَدٍّ وَوالِدِ
وَيا رُبَّ ساعٍ في اللَيالي لِقاعِدٍ
عَلى ما رَأى بَل كُلَّ ساعٍ لِقاعِدِ
أَضاعوا نُفوساً بِالرِماحِ ضَياعَها
يَعِزُّ عَلى الباغينَ مِنّا النَواشِدِ
لَئِن رَقَدَ النُصّارُ عَمّا أَصابَنا
فَما اللَهُ عَمّا نيلُ مِنّا بِراقِدِ
طَبَعنا لَهُم سَيفاً فَكُنّا لَحَدِّهِ
ضَرائِبَ عَن أَيمانِهِم وَالسَواعِدِ
أَلا لَيسَ فِعلُ الأَوَّلينَ وَإِن عَلا
عَلى قُبحِ فِعلِ الأَخَرينَ بِزائِدِ
يُريدونَ أَن نَرضى وَقَد مَنَعوا الرِضى
لِسَيرِ بَني أَعمامِنا غَيرَ قاصِدِ
كَذَبتُكَ إِن نازَعتَني الحَقَّ ظالِماً
إِذا قُلتُ يَوماً إِنَّني غَيرُ واجِدِ
كان حاد الذكاء، حاضر البديهة، مفحماً لخصومه؛ لقيه أبو العميثل في قصر عبدالله بن طاهر في خراسان، وقرأ مطلع قصيدته المشهورة:
أهُنَّ عواديْ يوسفٍ وصواحِبُهْ
فعَزْماً فَقِدْماً أدرَكَ السُؤلَ طالْبُهْ
قال له أبو العميثل: لمَ لا تقول ما يُفهَم؟ فأجابه: ولمَ لا تفهم ما يُقال؟
وصفه أبو الفرج الأصفهاني بقوله: «ما كان أحدٌ من الشعراء يقدر على أن يأخذ درهماً في حياة أبي تمام، فلما مات اقتسم الشعراء ما كان يأخذه».
يتكلّف بعض الغريب أو يحمِّل الألفاظ أكثر مما تحمل، ولذلك أنكر عليه النقاد هذا التكلف في التعبير. وكان علماء اللغة والنحو يصدّون عن شعره. ومن جميل قصائده قوله:
وَراءَكَ عَن شاكٍ قَليلِ العَوائِدِ
تُقَلِّبُهُ بِالرَملِ أَيدي الأَباعِدِ
يُراعي نُجومَ اللَيلِ وَالهَمَّ كُلَّما
مَضى صادِرٌ عُنّي بِآخَرَ وارِدِ
تَوَزَّعَ بَينَ النَجمِ وَالدَمعِ طَرفُهُ
بِمَطروفَةٍ إِنسانُها غَيرُ راقِدِ
وَما يَطَّبيها الغُمضُ إِلّا لِأَنَّهُ
طَريقٌ إِلى طَيفِ الخَيالِ المُعاوِدِ
ذَكَرتُكُمُ ذِكرَ الصِبا بَعدَ عَهدِهِ
قَضى وَطَراً مِنّي وَليسَ بِعائِدِ
إِذا جانَبوني جانِباً مِن وِصالِهِم
عَلِقتُ بِأَطرافِ المُنى وَالمَواعِدِ
فَيا نَظرَةً لا تَنظُرُ العَينُ أُختَها
إِلى الدارِ مِن رَملِ اللَوى المُتَقاوِدِ
هِيَ الدارُ لا شَوقي القَديمُ بِناقِصٍ
إِلَيها وَلا دَمعي عَليها بِجامِدِ
وَلي كَبِدٌ مَقروحَةٌ لَو أَضاعَها
مِنَ السُقمِ غَيري ما بَغاها بِناشِدِ
أَما فارَقَ الأَحبابَ قَبلي مُفارِقٌ
وَلا شَيَّعَ الأَظعانَ مِثلي بِواجِدِ
تَأَوَّبَني داءٌ مِنَ الهَمِّ لَم يَزَل
بِقَلبِيَ حَتّى عادَني مِنهُ عائِدي
تَذَكَّرتُ يَومَ السِبطِ مِن آلِ هاشِمٍ
وَما يومُنا مِن أَلِ حَربٍ بِواحِدِ
وَظامٍ يُريغُ الماءَ قَد حيلَ دونَهُ
سَقوهُ ذُباباتِ الرِقاقِ البَوارِدِ
أَتاحوا لَهُ مُرَّ المَوارِدِ بِالقَنا
عَلى ما أَباحوا مِن عِذابِ المَوارِدِ
بَنى لَهُمُ الماضونَ آساسَ هَذِهِ
فَعَلّوا عَلى آساسِ تِلكَ القَواعِدِ
رَمَونا كَما يُرمى الظَماءُ عَنِ الرَوا
يَذودونَنا عَن إِرثِ جَدٍّ وَوالِدِ
وَيا رُبَّ ساعٍ في اللَيالي لِقاعِدٍ
عَلى ما رَأى بَل كُلَّ ساعٍ لِقاعِدِ
أَضاعوا نُفوساً بِالرِماحِ ضَياعَها
يَعِزُّ عَلى الباغينَ مِنّا النَواشِدِ
لَئِن رَقَدَ النُصّارُ عَمّا أَصابَنا
فَما اللَهُ عَمّا نيلُ مِنّا بِراقِدِ
طَبَعنا لَهُم سَيفاً فَكُنّا لَحَدِّهِ
ضَرائِبَ عَن أَيمانِهِم وَالسَواعِدِ
أَلا لَيسَ فِعلُ الأَوَّلينَ وَإِن عَلا
عَلى قُبحِ فِعلِ الأَخَرينَ بِزائِدِ
يُريدونَ أَن نَرضى وَقَد مَنَعوا الرِضى
لِسَيرِ بَني أَعمامِنا غَيرَ قاصِدِ
كَذَبتُكَ إِن نازَعتَني الحَقَّ ظالِماً
إِذا قُلتُ يَوماً إِنَّني غَيرُ واجِدِ