-A +A
فهد البندر fahadalbandar@
الشعر عند العرب لم يكن قولاً عابراً، بل كان فضاءً واسعاً يعبر فيه العربيّ عن أحاسيسه، فيرسمها في لوحة رسامٍ، كأن من يقرأها أو يسمع بها، يعيش تفاصيلها، تملؤها الحكمة الأخّاذة، والأخلاق السامية الرفيعة، يعتز به أهله ويفتخرون بكل ما فيه، وإن شابته بعض الشوائب لا تعكر صفوه الجميل، ومن الشعراء البُحتري وهو الوليد بن عبيد بن يحيى الطائي، أبو عبادة البحتري ولد في مِنبِج بين حلب والفرات 206هـ 821م.

شاعر كبير، لقبت قصائده بسلاسل الذهب، وهو أحد الثلاثة الذين كانوا أشعر أبناء عصرهم المتنبي، وأبو تمام، والبحتري.


سئل أبو العلاء المعري: أي الثلاثة أشعر؟ فقال: المتنبي وأبو تمام حكيمان، وإنما الشاعر البحتري.

رحل إلى العراق، فاتصل بعددٍ من الخلفاء آنذاك، ثم عاد إلى الشام، وتوفي بمسقط رأسه منبج سنة 284هـ 897م.

يقول في إحدى قصائده:

يا مَغاني الأَحبابِ صِرتِ رُسوما

وَغَدا الدَهرُ فيكِ عِندي مَلوما

أَلِفَ البُؤسُ عَرصَتَيكِ وَقَد كُن

تِ لَنا قَبلُ رَوضَةً وَنَعيما

رَحَلَ الظاعِنونَ عَنكِ وَأَبقَوا

في حَواشي الأَحشاءِ حُزناً مُقيما

أَينَ تِلكَ الظِباءُ أَصبَحنَ في الحُس

نِ بُدوراً وَفي البَعادِ نُجوما

قَد وَجَدنَ السُلُوَّ بَرداً سَلاماً

إِذ وَجَدنا الهَوى عَذاباً أَليما

يا أَبا الفَضلِ وَالَّذي وَرِثَ الفَض

لَ عَنِ الفَضلِ حادِثاً وَقَديما

قَد لَعَمري أَعدَت شَمائِلُكَ الدَه

رَ فَأَضحى مِن بَعدِ لُؤمٍ كَريما

لَكَ مِن ذي الرِئاسَتَينِ خِلالٌ

مُعطَياتٌ في المَجدِ حَظّاً جَسيما

جُمَلٌ فيكَ لَو قُسِمنَ عَلى النا

سِ لَما أَصبَحَ اللَئيمُ لَئيما

شِيَمٌ غَضَّةٌ تَروحُ وَتَغدو

أَرَجاً في هُبوبِها وَنَسيما

قَد تَعالَت بِكَ المَآثِرُ حَتّى

قَد حَسِبناكَ لِلسِماكِ نَديما

كُلَّ يَومٍ آمالُنا فيكَ لِلأَم

رِ الرِئاسِيِّ تَقتَضيكَ النُجوما

آلَ سَهلٍ أَنتُم غُيوثُ بَني سا

سانَ جوداً وَنَجدَةً وَحُلوما

أَيُّ فَضلٍ وَأَيُّ بَذلٍ وَجودٍ

لَم يُحالِف ذا الجودِ إِبراهيما

كَسرَوِيُّ تَلقاهُ في الحَربِ لَيثاً

قَسورِيّاً وَفي النَدِيِّ حَكيما

واضِحُ الوَجهِ وَالفَعالِ إِذا ما

كانَ وَجهُ الزَمانِ جَهماً بَهيما

هِبرِزِيٌّ قَد نالَ مِن كُلِّ فَنٍّ

مِن فُنونِ الآدابِ حَظّاً عَظيما

وَرَقيقُ الأَلفاظِ يَرصُفُ في الأَس

ماعِ دُرّاً وَلُؤلُؤاً مَنظوما

أَتعَبَتهُ العُلا فَأَبقَت نُدوباً

مُتعَباتٍ بِجِسمِهِ وَكُلوما

فَتَراهُ في حالَةٍ مَحسوداً

وَتَراهُ في حالَةٍ مَرحوما

كُلَّ يَومٍ يُفيدُهُ البَذلُ وَالجو

دُ مَتى كانَ ظاعِناً أَو مُقيما

حَمدَ عافٍ وَذَمَّ لاحٍ فَيَغدو

في جَزيلِ اللُهى حَميداً ذَميما