الشعر عند العرب لم يكن قولاً عابراً، بل كان فضاءً واسعاً يعبّر فيه العربيّ عن أحاسيسه، فيرسمها في لوحة رسامٍ، كأن من يقرأها، يعيش تفاصيلها، تملؤها الحكمة الأخّاذة، يعتز به أهله ويفتخرون بكل ما فيه، ومن الشعراء: الصمة بن عبدالله بن الطفيل القشيري (توفي سنة 95هـ/713م)، أحد شعراء بني أمية. والصِّمَّة، تعني الشجاع كالأسد. ولد في ديار قشير غربي نجد، وتولدت بينه وبين موطنه علاقة حب أثيرة لا يعادلها سوى حبه العارم لابنة عمه ريّا، التي ما فتئ يذكرها في شعره، ويحنُّ إليها بعد نزوحه عن دياره.
شعره ليس بالكثير، ولكن جودته تغني عن كثرته، إذ يعد واحداً من أركان مدرسة الغزل العذري في العصر الأموي، ويتميز بجمعه بين الحب الشخصي وحبّ الديار، ومن شعره:
أَمِنْ أَجْلِ دارٍ بالرَّقاشَيْنِ أَعْصَفَتْ
عليها رياحُ الصَّيفِ بَدْءًا ومَرْجِعا
أَرَبَّتْ بها الأَرْواحُ حتى تَنَسَّفَتْ
مَعارِفُها إلاّ الصَّفيحَ المُوَضَّعا
بَكَتْ عَينُكَ اليُسْرى فلمّا زَجَرْتَها
عَنِ الجَهلِ بعدَ الحِلْمِ أَسْبَلَتا مَعا
ولمْ أَرَ مِثلَ العامِرِيَّةِ قَبْلَها
ولا بعدَها يومَ ارْتَحَلْنا مُوَدِّعا
تُريكَ غَداةَ البَيْنِ مُقْلَةَ شادِنٍ
وجيدَ غَزالٍ في القَلائِدِ أَتْلَعا
غَدَتْ مِن عليهِ تَنْفُضُ الطَّلَّ بعدما
رَأَتْ حاجِبَ الشَّمْسِ اسْتَوى وتَرَفَّعا
بأَحْسَنَ مِنْ أُمِّ المُحَيَّا فُجاءَةً
إذا جِيْدُها مِن كِفَّةِ السِّتْرِ أَطْلَعا
فَرَشَّتْ بِقَولٍ كادَ يَشْفي مِنَ الجَوى
تَلُمُّ بهِ أَكْبادَنا أنْ تَصَدَّعا
فما كَلَّمَتْني غيرَ رَجْعٍ وإنّما
تَرَقْرَقَتِ العَيْنانِ منها لِتَدْمَعا
كأنّكَ بِدْعٌ لمْ تَرَ البَيْنَ قَبْلَها
ولم تَكُ بالأُلاّفِ قبلُ مُفَجَّعا
فليتَ جِمالَ الحَيِّ يومَ تَرَحَّلوا
بِذي سَلَمٍ أَمْسَتْ مَزاحِيفَ ظُلَّعا
أَتَبْكي على رَيّا ونَفسُكَ باعَدَتْ
مَزارَكَ مِن رَيَّا وشَعْباكُما مَعا
كأنَّكَ لم تَشْهَدْ وداعَ مُفارِقٍ
ولم تَرَ شَعْبَيْ صاحِبَيْنِ تَقَطَّعا
فإنّي وَجَدْتُ اللَّوْمَ لا يُذْهِبُ الهوى
ولكنْ وجَدْتُ اليأسَ أَجْدى وأنْفَعا
تَهيجُ لهُ الأَحْزانُ والذِّكْرُ كلَّما
تَرَنَّمَ أوْ أَوْفى مِنَ الأرضِ مَيْفَعا
قِفا وَدِّعا نَجْداً ومَنْ حَلَّ بالحِمى
وقَلَّ لِنَجْدٍ عندنا أنْ يُوَدَّعا
بنَفْسي تِلْكَ الأرضُ ما أَطْيَبَ الرُّبى
وما أَحْسنَ المُصْطافَ والمُتَرَبَّعا
وأَذْكُرُ أيّامَ الحِمى ثمَّ أَنْثَني
على كَبِدي مِن خَشْيَةٍ أنْ تَصَدَّعا
إذا راحَ يَمْشي في الرِّداءَيْنِ أَسْرَعَتْ
إليهِ العُيونُ النَّاظِراتُ التَّطَلُّعا
فقلتُ سَقى اللهُ الحِمى دِيَمَ الحَيا
فَقُلْنَ سَقاكَ اللهُ بالسُّمِّ مُنْقَعا
ولمّا رأيتُ البِشْرَ أَعْرَضَ دونَنا
وجالَتْ بَناتُ الشَّوْقِ يَحْنِنَّ نُزَّعا
فإنْ كُنتمُ تَرْجونَ أن يَذْهَبَ الهوى
يَقيناً ونَرْوى بالشَّرابِ فَنَنْقَعا
فَرُدُّوا هُبوبَ الرّيحِ أو غَيِّروا الجَوى
إذا حَلَّ أَلْواذَ الحَشا فَتَمَنَّعا
أَما وجَلالِ اللهِ لو تَذْكُرِينَني
كَذِكْرِيكِ ما كَفَفْتُ للعينِ أَدْمُعا
فقالتْ بلى واللهِ ذِكْراً ! لو انَّهُ
يُصَبُّ على الصَّخْرِ الأَصَمِّ تَصَدَّعا
وأَعْذِلُ فيهِ النَّفْسَ إذ حِيلَ دُونَهُ
وتَأْبى إليهِ النَّفْسُ إلاّ تَطَلُّعا
سَلامٌ على الدّنيا فما هِيَ راحَةٌ
إذا لم يَكُنْ شَمْلي وشَمْلُكُمُ معا
لعَمْري لقد نادى مُنادي فِراقِنا
بِتَشْتيتِنا في كُلِّ وادٍ فأَسْمَعا
كأَنّا خُلِقْنا للنَّوى وكأنّما
حَرامٌ على الأَيّامِ أن نَتَجَمَّعا
شعره ليس بالكثير، ولكن جودته تغني عن كثرته، إذ يعد واحداً من أركان مدرسة الغزل العذري في العصر الأموي، ويتميز بجمعه بين الحب الشخصي وحبّ الديار، ومن شعره:
أَمِنْ أَجْلِ دارٍ بالرَّقاشَيْنِ أَعْصَفَتْ
عليها رياحُ الصَّيفِ بَدْءًا ومَرْجِعا
أَرَبَّتْ بها الأَرْواحُ حتى تَنَسَّفَتْ
مَعارِفُها إلاّ الصَّفيحَ المُوَضَّعا
بَكَتْ عَينُكَ اليُسْرى فلمّا زَجَرْتَها
عَنِ الجَهلِ بعدَ الحِلْمِ أَسْبَلَتا مَعا
ولمْ أَرَ مِثلَ العامِرِيَّةِ قَبْلَها
ولا بعدَها يومَ ارْتَحَلْنا مُوَدِّعا
تُريكَ غَداةَ البَيْنِ مُقْلَةَ شادِنٍ
وجيدَ غَزالٍ في القَلائِدِ أَتْلَعا
غَدَتْ مِن عليهِ تَنْفُضُ الطَّلَّ بعدما
رَأَتْ حاجِبَ الشَّمْسِ اسْتَوى وتَرَفَّعا
بأَحْسَنَ مِنْ أُمِّ المُحَيَّا فُجاءَةً
إذا جِيْدُها مِن كِفَّةِ السِّتْرِ أَطْلَعا
فَرَشَّتْ بِقَولٍ كادَ يَشْفي مِنَ الجَوى
تَلُمُّ بهِ أَكْبادَنا أنْ تَصَدَّعا
فما كَلَّمَتْني غيرَ رَجْعٍ وإنّما
تَرَقْرَقَتِ العَيْنانِ منها لِتَدْمَعا
كأنّكَ بِدْعٌ لمْ تَرَ البَيْنَ قَبْلَها
ولم تَكُ بالأُلاّفِ قبلُ مُفَجَّعا
فليتَ جِمالَ الحَيِّ يومَ تَرَحَّلوا
بِذي سَلَمٍ أَمْسَتْ مَزاحِيفَ ظُلَّعا
أَتَبْكي على رَيّا ونَفسُكَ باعَدَتْ
مَزارَكَ مِن رَيَّا وشَعْباكُما مَعا
كأنَّكَ لم تَشْهَدْ وداعَ مُفارِقٍ
ولم تَرَ شَعْبَيْ صاحِبَيْنِ تَقَطَّعا
فإنّي وَجَدْتُ اللَّوْمَ لا يُذْهِبُ الهوى
ولكنْ وجَدْتُ اليأسَ أَجْدى وأنْفَعا
تَهيجُ لهُ الأَحْزانُ والذِّكْرُ كلَّما
تَرَنَّمَ أوْ أَوْفى مِنَ الأرضِ مَيْفَعا
قِفا وَدِّعا نَجْداً ومَنْ حَلَّ بالحِمى
وقَلَّ لِنَجْدٍ عندنا أنْ يُوَدَّعا
بنَفْسي تِلْكَ الأرضُ ما أَطْيَبَ الرُّبى
وما أَحْسنَ المُصْطافَ والمُتَرَبَّعا
وأَذْكُرُ أيّامَ الحِمى ثمَّ أَنْثَني
على كَبِدي مِن خَشْيَةٍ أنْ تَصَدَّعا
إذا راحَ يَمْشي في الرِّداءَيْنِ أَسْرَعَتْ
إليهِ العُيونُ النَّاظِراتُ التَّطَلُّعا
فقلتُ سَقى اللهُ الحِمى دِيَمَ الحَيا
فَقُلْنَ سَقاكَ اللهُ بالسُّمِّ مُنْقَعا
ولمّا رأيتُ البِشْرَ أَعْرَضَ دونَنا
وجالَتْ بَناتُ الشَّوْقِ يَحْنِنَّ نُزَّعا
فإنْ كُنتمُ تَرْجونَ أن يَذْهَبَ الهوى
يَقيناً ونَرْوى بالشَّرابِ فَنَنْقَعا
فَرُدُّوا هُبوبَ الرّيحِ أو غَيِّروا الجَوى
إذا حَلَّ أَلْواذَ الحَشا فَتَمَنَّعا
أَما وجَلالِ اللهِ لو تَذْكُرِينَني
كَذِكْرِيكِ ما كَفَفْتُ للعينِ أَدْمُعا
فقالتْ بلى واللهِ ذِكْراً ! لو انَّهُ
يُصَبُّ على الصَّخْرِ الأَصَمِّ تَصَدَّعا
وأَعْذِلُ فيهِ النَّفْسَ إذ حِيلَ دُونَهُ
وتَأْبى إليهِ النَّفْسُ إلاّ تَطَلُّعا
سَلامٌ على الدّنيا فما هِيَ راحَةٌ
إذا لم يَكُنْ شَمْلي وشَمْلُكُمُ معا
لعَمْري لقد نادى مُنادي فِراقِنا
بِتَشْتيتِنا في كُلِّ وادٍ فأَسْمَعا
كأَنّا خُلِقْنا للنَّوى وكأنّما
حَرامٌ على الأَيّامِ أن نَتَجَمَّعا