-A +A
علا الشيخ - ناقدة سينمائية ola_k_alshekh@
جميلة هي الأفلام التي تجعلك كمتلق متورطا في ما يحدث، هذا الشعور سيكون حاضرا مع فيلم 1917 المرشح لـ10 جوائز أوسكار، للمخرج سام ميندس، فمعه لن تشاهد الحرب بشكل مباشر، ونحن هنا نتحدث عن الحرب العالمية، بل ستكون شاهدا لتوقيت زمني في مهمة لجنديين بريطانيين في إيصال رسالة إلى قائد كتيبة في نقطة محددة تأمره بوقف الهجوم على الألمان، ضمن سيناريو شبه غائب في حضرة لغة بصرية هي البطل الرئيسي في الفيلم التي يعتقد كثيرون أنها لقطة تصويرية واحدة وهي بالفعل توحي بذلك لكن من له علاقة بتكنيك الصناعة يلاحظ قطعات أخرى.

جنديان تبدأ لقطات الفيلم معهما تحت ظل الشجر، وكأن ظلهما يشعرهما بأنهما ما زالا على قيد الحياة، لذلك توظيف ذلك المشهد كان ضروريا، تحديدا لما سينتهي معه فيلم الحرب في ظل الطبيعة الخلابة، شجر وأنهار وأصوات عصافير، مشهد جديد لصانع أفلام الحروب القائمة على استعراض الهدم والجثث والدخان. فالخيار مدروس في مهلة إيصال رسالة عبر جندي يريد إنقاذ شقيقه من الموت في فخ نصبه الألمان، اختار صديقه ليكون رفيقه في المهمة، والذي تسأل نفسك كيف يقاتل، وهو ضعيف البنية والشخصية؟ وهنا تحاول كمتلق البحث عن إجابة، ستصلك لا محالة وأنت تدخل احترافية التصوير وصناعة المشهد، لتشعر لوهلة أنك أصبحت داخل الشاشة وليس أمامها، ستتعثر مشاعرك، تجاه المشهدية. وإذا كنت من ممارسي ألعاب الفيديو ستشعر أن الفيلم تحول لإحداها، فلن تشعر بغربة، بل ستخاطب نفسك: يا لذكاء المخرج في هذا التوظيف التكنولوجي الذي خدم العمل دون إقحام، وستتخبط مشاعرك، ومن الممكن دون قصد أن تنظر إلى ساعتك لتحسب كم بقي من الوقت، لكن هذه المرة ليس لانتهاء الفيلم بل انتهاء المهمة، ستخاف أن لا تصل الرسالة، وستقلق على الجنود المتحمسين للهجوم على الألمان، وستحزن على الجندي الذي ذهب لينقذ شقيقه من الموت، ليموت هو، وستشغلك احتمالية عدم وصول الرسالة. ومن المشاهد الرائعة، حين يصل الجندي، الذي أصبح وحيدا بعد موت رفيقه، إلى نقطة فيها حلفاء، معلنا الرسالة التي يجب إيصالها قبل الفجر، فينصحه القائد هناك أن يحرص على إيصالها أمام شهود، موضحا «لأن بعض القادة يهملون الأوامر بسبب حبهم للقتال»، فيما جسد دور القائد مارك سترونج، الذي أدرك، كباقي الأسماء المهمة التي ظهرت في مشهد واحد في الفيلم مثل بينديكت كامبرباتش، وكولين فيرث، أن حضورهم البسيط سيزيد من رصيده. ومع 1917، ستصل الرسالة، ليعلن نهايته بمشهد خلاب للجندي أثناء جلوسه بمنتهى الهدوء تحت ظل شجرة، ينظر إلى صورة زوجته وابنته، وكأنه يقول لهما: «أنا عائد لأروي لكما حكاية».