333
333
-A +A
علا الشيخ - ناقدة سينمائية ola_k_alshekh@
وقفت المخرجة السورية وعد الخطيب أمام جمهور من كبار صناع الأفلام والممثلين العالميين، وأهدت فيلمها الوثائقي (إلى سما) الفائز بجائزة الأكاديمية البريطانية للأفلام «بافتا» 2020 إلى الشعب السوري، ونوهت في كلمتها بأن 3 ملايين ونصف المليون سوري يتعرضون للظروف القاسية التي ظهرت في الفيلم، مشيرة الى أن مدينة إدلب حاليا تتعرض للموت.

(إلى سما) الذي يحتمل أن يكون بطل أوسكار القادم أيضا، أفضل فيلم وثائقي هذا الشهر، تلمس فيه الحس الأمومي، فهو يحمل اسم ابنتها سما، التي ولدت في حضرة القصف في مدينة حلب، وسط براميل تلقى على المنازل، فيما قررت مخرجته لأول مرة أن تصنع فيلما ليكون بمثابة إجابة إذا ما سألتها ابنتها حين تكبر «ماذا فعلتم لأجل سوريا،وماذا حدث؟».


إذ تخاف الأم وعد من هذه التساؤلات، مثلها مثل كل الأمهات والآباء ممن يخشون ألا تكون الإجابة على قدر الحدث، الذي لم ينتهِ حتى اللحظة في بلادها المكلومة.

هذا الفيلم الوثائقي ليس خبرًا صحافيًا، أو تقريرًا استقصائيًا، قد يكون مر أمامك وأنت تشاهد التلفاز، هو تصوير لحظات غير محكومة بسيناريو مسبق، بل وليد اللحظة، وهذا ما أعطاه صدقية، هي التي أعطت قوة لهذا الفيلم الموجع، تتحرك كاميرا الخطيب في مثلث يضمن على الأقل يوما إضافيا للحياة إذا ما كانت واعية وهي تراقب الموت عن كثب، مستشفى وشارع وبيوت جيران، كفيل هذا المثلث بأن يحكي حكاية ما حدث في شرقي حلب، من وجهة نظر وعد الخطيب زوجة الطبيب وأم سما اللذين قررا العودة لحلب بعد أن استطاعوا الهرب، ليكونوا جزءًا أصيلًا في مساعدة الناس الذين يرتمون جرحى وجثثًا جراء قصف جوي يهدم القلوب قبل البيوت.

أصوات أنين، تسمعها بين الحين والآخر، خلية نحل من أصحاب الرداء الأبيض، وهم ينتشلون الموت بين أياديهم في محاولة إعادة لنبض الحياة، سما الطفلة التي ولدت في حضرة كل ذلك، ضحكتها تعطي أملا وترسم بسمة في وجه الحزن، أمها التي وجدت أن الكاميرا هي الحل، تصور زوجها الطبيب وزملاءه، تصور الإنسانية المهنية التي أقسموا عليها، تشعر بها، من شدة عمل لا يتوقف، هذا التكنيك غير المدروس في التقاط الصورة المتحركة يدخلك في صلب الحدث، لدرجة أنك لوهلة تشعر وكأنك شممت رائحة الغبار التي تعلو وجه طفل ينظر بشكل مصدوم وإلى جانبه امرأة تطبطب عليه، وتعرف معنى المكلوم في صوت أم تصرخ في وجه موت كل أولادها، وستتنقل عيناك تبحثان عن عائلة طفلتين تحاولان إيجاد أمهما بين الوجوه الكثيرة.

في لحظة، يسيطر اللون الرمادي على كل المشاهد، غبار وقصف وموت.. هكذا لونه، بينما تقرر وعد أن ابنتها سما تستحق أن تعيش حياة ملونة، ولا ضرر أن تشوبها ذكرى رمادية، من ماضٍ وجب أن تتعرف عليه حين تكبر، وتعرف لماذا غادروا بلدهم إلى أوروبا، بحثا عن حياة تحمل مفردة «مستقبل» لهذه الطفلة الصغيرة التي حملت تمثال «البافتا» في مدينة الضباب قبل أيام.