مطلقة وأم وأرملة، شقيقة تشعر بأن حقها هضم، صديقة في قلبها بعض الخوف من الغدر، زوجة سرية سابقة، ابنة بدون أب، وابنة ادعت طويلاً أنها فاقدة للنطق، في حضرة رجل اسمه حسان، تربطه مع كل شخصية حكاية، أو بشكل أدق سر.
هذه هي شخصيات المسلسل السعودي وساوس، للمخرجة والكاتبة السعودية هناء العمير، والذي سيعرض في 11 من الشهر الجاري، على نيتفليكس ضمن 8 حلقات، كل حلقة تحمل عنواناً، عبارة عن لوحات كل لوحة منفصلة بطريقة ما ومتصلة بما سبقها وبما يلحقها بتفاصيل شديدة الدقة بطريقة صناعتها وتصديرها للربط بين الأحداث، يتم فيها استخدام تقنية الفلاش باك، التي أدارتها العمير بطريقة محترفة، غير مشتتة، بحيث تمر أمامك بشكل سلس، دون الشعور بأن ثمة تفصيلا قد تاه عنك.الحديث عن العمل قبيل عرضه للجمهور لن يكون حارقاً للأحداث، بل سيتم التركيز على أهمية هذه التجربة التي أتت بالتأكيد على أنك أمام مخرجة خاصة بأسلوبها، إضافة أن السيناريو والحوار بتوقيعها أيضاً، ناهيك عن الحس النسوي باختيارها للشخصيات النسائية التي أدت كل ممثلة دورها بشغف بحضرة ممثل مهم على قدر عبدالمحسن النمر.
العناصر في العمل متكاملة، فيه ما يجذب المتلقي المحب لقصص التشويق والجريمة، فالغموض والتكهنات تحضر، وأخذ المواقف من الشخصيات هي التي ستحرك الفضول نحو تتبع كل حكاية، التوقعات ستنجح معك مرة، وستعيد النظر فيها مرات عديدة، وهذا النوع من العلاقة بين المتلقي والمنتَج، هو الذي يبني شكل وطبيعة المشاهدة، المرتكز على عنصر التتبع وأساسه الفضول.
من ناحية أخرى، تدرك العمير، أن شكل المرأة الحالية قد تغير، فلا تستغرب كثيراً إذا شاهدت كل هؤلاء النسوة وهن يظهرن بشكل شبابي، كل شيء مقصود، أن تظهر الأم بعمر يقترب من عمر ابنتها، ولا تظهر وكأن لديها ابناً شاباً، فالنساء في رؤية عمير، عاملات، مستقلات، شغوفات، حالمات، منجزات، وقويات، ونموذج الرجل في العمل أيضاً يظهر بشكل غاب عنه العديد من الإنتاجات السعودية.
هي تصور قصة قد يعتقد البعض أنها خيالية، لكنها شديدة الذكاء بإسقاطاتها، هي أدارت شكلاً جديداً سيحضر لاحقاً في الصناعات، ولا بد من الإشارة إلى أن الحس السينمائي لدى عمير ظهر في صناعتها لهذا المسلسل وهي صاحبة الفيلم القصير شكوى. في المقابل ثمة أداء لممثلات يقفن أمام كاميرا العمير، سيدرك من خلالهن المُشاهد، معنى إدارة الممثل، وهذا المعنى يغيب في كثير من الأعمال العربية التي يتحكم فيها الممثل على إيقاع العمل، ويتكبر على دور المخرج، لذلك ستشعر بهذا المعنى، أن العمير استطاعت أن تقدم كل شخصية بناء على رؤيتها، وتماهت الممثلات معها ومع آلية إظهار كل شخصية.
هذا التناغم كان لا بد من وجود عنصر قوة، فكان على شكل الممثل القدير عبدالمحسن النمر، هذا الممثل الذي يؤكد في كل حضور له في أي عمل أنه يقدر دائماً على استحواذ انتباه من يشاهده، وحضوره في هذا العمل ما هو إلا تأكيد على احترام هذا الممثل ذي التاريخ الطويل في الحضور لمعنى النص الجيد والمخرج الذي سيقدم المختلف عن السائد. مسلسل وساوس من إنتاج سعودي، يعرض على منصة نيتفليكس التي يقترب عدد مشتركيها إلى 200 مليون، وهو من بطولة شيماء الفضل، وميسون الرويلي، وإلهام علي، وندى توحيد، ونور العنبر، وليلى عربي، يعتبر تجربة جديدة لبلد انفتح حديثاً على معنى كيف الصناعة الفنية عليها أن تكون عالمية في طرحها، وكل بداية لا بد لها أن تتعثر قليلاً، حتى تجد لها من يحتضنها ويؤمن بها، ولا يوجد أعمق من أن مخرجة سعودية تكون من أوائل من تم الإيمان بهن لنقل تجربتها للعالم.