يُعرف البحر الأحمر، عالمياً، بتنوع وقيمة نظامه البيئي، وكذلك أهميته الاستراتيجية والاقتصادية والاجتماعية للمملكة العربية السعودية والدول المحيطة به. إن أهم التهديدات لاستقرار النظام البيئي البحري على المدى الطويل تنبع من الزيادة في عدد السكان والنمو الاقتصادي في المنطقة الساحلية، حيث تمارس ضغوطاً كبيرة على هذه البيئة الحساسة.
ويحتوي البحر الأحمر على موارد طبيعية فريدة متنوعة ذات بيئة حساسة وتعتبر الحيود المرجانية من أهم هذه الموارد. فإذا أردنا الحفاظ على هذه الموارد الساحلية واستدامتها، فهناك حاجة ملحة لاتخاذ إجراءات فعالة لتلبية هذا المطلب، حيث يجب الاستفادة من موارد هذه المناطق بنظام الإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية وهي عملية حوكمة، تعمل من القمة إلى القاعدة، وتشمل الأطر القانونية اللازمة لضمان تكامل خطط التنمية لتحقيق الأهداف البيئية والاجتماعية، ويتم إعدادها بالتكامل والمشاركة بين الجهات والهيئات (حكومية وخاصة) التي تعمل على الحد من تخفيف الأضرار على الموارد الساحلية. لقد أدركت المملكة العربية السعودية أهمية منطقتها الساحلية بالنسبة للاقتصاد الوطني وأيضاً بالنسبة لنوعية حياة مواطنيها على المناطق الساحلية. وقد تم الاتفاق بين الهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية لإعداد تقييم وطني للوضع الراهن من خلال مبادرة حماية البيئة البحرية والساحلية. وعملي كباحث رئيسي للمشروع سيتضمن المضيّ نحو تحقيق هذا الهدف بحيث تعطى الأولوية لاتخاذ الإجراءات التي من شأنها تمكين التنمية المستدامة وإدارة الموارد البحرية في المملكة.
في هذا المقال، سوف نقوم بالحديث عن الشعاب المرجانية من منظور خواص العمليات البحرية الفيزيائية التي تؤثر على صحة الشعاب المرجانية في البحر الأحمر. ولكن قبل أن نبدأ، دعونا نلقي الضوء على أهميته، حيث تقوم الشعاب المرجانية بحماية المناطق الساحلية من الأمواج العاتية وتوفير الغذاء عن طريق الصيد البحري وإدخال عوائد مالية لسكان السواحل إذا استثمرت اقتصادياً. كما بدأت الأبحاث تبين من نهاية القرن الماضي أنها مصدر لأدوية طبية متنوعة، لذا فإن تدمير الشعاب المرجانية له آثار وخيمة على مياه المحيطات والبشرية.
تمثل مساحة الشعاب المرجانية حوالى 0.07% من مساحة محيطات العالم، وبالرغم من هذه النسبة الضئيلة جداً إلا أنها تقوم بتوفير البيئة اللازمة لحياة ما يقارب 25% من الكائنات البحرية المعروفة في المحيطات، إذ إن اختلاف الأنواع البحرية التي تعيش على الشعاب المرجانية هو الأكبر من أي نظام بيئي آخر في العالم، ويقدر العلماء أن أكثر من مليون نوع من النباتات والحيوانات مرتبطة بالنظم البيئية للشعاب المرجانية. تغطي شعاب البحر الأحمر مساحة تزيد على 1500 كيلومتر طولاً مع النظم البيئية المرتبطة بها؛ مثل الجزر وأشجار المنغروف ومناطق السبخات، وتبلغ مساحة الشعاب المرجانية في البحر الأحمر وخليج عدن نسبة تقارب حدود 7% من مساحة شعاب مرجان العالم.
تواجه الشعاب المرجانية على المستوى العالمي تهديدات بسبب التغير المناخي وكذلك الممارسات المضرة للمحافظة على استدامة موارد الشعاب المرجانية. وبناءً على النتائج الواردة من فريق رفيع المستوى معني بتحقيق اقتصاد محيطاتٍ مستدام، حذر تقرير مؤتمر الأمم المتحدة بشأن التغيُّر المناخي (COP25) الذي عُقِد في مدريد خلال ديسمبر الماضي، إنه حتى مع اتخاذ التدابير الصارمة تجاه المناخ للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، لا يزال من المُتوقَّع أن تتقلَّص مساحة الغطاء المرجاني عالميًّا بنسبة 28%، الأمر الذي تنجم عنه خسائر اقتصادية تصل إلى 6%. فمصر مثلاً، حسب التقرير، قد تفقد إيراداتٍ تُقدر بحدود 65 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2100م مقارنة بما حققته خلال عام 2019م، حيث يعتبر اقتصاد سياحة الشعاب المرجانية في مصر هو الأضخم عالمياً بنسبة أرباح تصل إلى 7 مليارات دولار أمريكي سنوياً من أنشطة الغوص والأنشطة المتعلقة بالغطس السطحي.
هناك دول أخرى تأتي بعد مصر كإندونيسيا والمكسيك وتايلاند وأستراليا بأعلى الإيرادات، حيث يحقق اقتصاد سياحة الشعاب المرجانية على مستوى العالم 35 مليار دولار أمريكي سنوياً، ولكن قد يواجه تحدياً كبيراً بحلول عام 2100، فمن الممكن أن تفقد هذه البلدان مجتمعةً ما يراوح بين 72% و87% من مساحة الشعاب المرجانية وخسارة 90% من قيمة الأنشطة السياحية ذات الصلة الوثيقة بالشعاب المرجانية.
العمليات الفيزيائية التي تؤثر على نمو
وازدهار الشعاب المرجانية في البحر الأحمر
أولاً: درجة الحرارة:
يمكن اعتبار البحر الأحمر بيئة قاسية للشعاب المرجانية التي تعيش في المياه الضحلة، حيث تتجاوز درجات حرارة المياه القريبة من السطح 32 درجة مئوية في فصل الصيف. مثل هذه المياه المرتفعة الحرارة يمكن أن تجعل الشعاب المرجانية عرضة للتبييض والقضاء عليها، فارتفاع حرارة المياه يفقد الشعاب المرجانية تلك الألوان الزاهية ويحولها إلى اللون الأبيض بسبب طرد نوع من أنواع الطحالب التي تعيش في أنسجتها، حيث تزود هذه الطحالب الشعاب المرجانية بإمدادات الغذاء بفضل عملية التمثيل الضوئي، التي تعطي للشعاب المرجانية طاقة تسمح لها بالنمو. لقد تم توثيق أحداث التبييض بسبب زيادة معدلات درجات الحرارة في البحر الأحمر وخاصة تلك المرتبطة بأحداث ظاهرة التبييض للشعاب المرجانية في العالم للأعوام 1998 و2010 و2015م.
وبالرغم من حدوث ظاهرة التبييض إلا أن شعاب مرجان البحر الأحمر تظهر مقاومة أعلى لدرجات الحرارة المرتفعة مقارنة مع الشعاب المرجانية الاستوائية في أماكن أخرى من العالم، إذ إن درجات الحرارة في وسط البحر الأحمر خلال فصل الصيف تعتبر حتماً مميتة للشعاب المرجانية في معظم المناطق الاستوائية الأخرى كمنطقة البحر الكاريبي والحاجز المرجاني العظيم في أستراليا. الشعاب المرجانية في شمال البحر الأحمر لديها ممانعة أقوى بشكل خاص من الارتفاع المفرط في درجة حرارة المياه، حيث تظهر القدرة على تحمل هذه الزيادة بشكل مذهل يصل إلى 4 درجات مئوية فوق متوسط درجة حرارة مياه الصيف دون ظهور أي علامات لظاهرة التبييض.
وعند الانتقال من مياهه السطحية المرتفعة الحرارة إلى مياهه العميقة (2000م) نجد أنها أيضاً تكون ذات حرارة عالية، فهي فريدة من نوعها ولها خاصية مميزة مختلفة عن أماكن أخرى في محيطات العالم من حيث الحفاظ على درجات الحرارة على مدار السنة، التي تكون قريبة من أو تتجاوز 20 درجة مئوية على طول عمق عمود الماء (على عكس درجات حرارة المياه العميقة في معظم بيئات المحيطات المفتوحة، التي عادة ما تكون في أرقام فردية منخفضة). فهذه المياه العميقة الدافئة تؤثر تأثيرا قوياً على كيميائية كربونات عمود الماء، حيث تنخفض قابلية ذوبان كربونات الكالسيوم في ارتفاع درجة حرارة المياه (لدرجة فائقة التشبع) وبالتالي قدرة نمو الشعب المرجانية وازدهارها في بيئة مياهه العميقة الدافئة تجعل من البحر الأحمر فريداً مقارنة ببحار العالم.
ثانياً: الأمواج السطحية:
على الشعاب المرجانية الهامشية تظهر بيئتان مميزتان نتيجة لحركة الأمواج:
• بيئة عالية الطاقة على الجزء المكشوف من الشعاب (الشعاب الأمامية أي الشعاب المعرضة للبحر المفتوح) التي يجب أن تتكيف معها الشعاب المرجانية.
• وبيئة هادئة نسبياً على الجانب الخلفي للشعاب المرجانية.
تعمل الأمواج أيضاً كمحرك رئيسي لتدفق وتحريك المياه على سطوح الشعاب المرجانية الهامشية، حيث تتسبب الأمواج المتكسرة في تكدس المياه على الشعاب الأمامية عالية الطاقة، مما ينشأ عنه ارتفاع في منسوب المياه وتكوين ميلان تدريجي لتدفق المياه نحو الشعاب الخلفية ذات البيئة الهادئة نسبياً.
ثالثاً: تغيرات منسوب سطح البحر:
تؤثر التغييرات في مستوى منسوب سطح البحر بشكل كبير على طبيعة حركة المياه وطبيعة حركة توزيع الحرارة على سطوح الشعاب الضحلة. وبشكل عام، يمكن تقسيم تغيرات منسوب سطح البحر الأحمر إلى:
1) حركات المد والجزر (تراوح بين 25سم عند وسط البحر الأحمر وتقترب من 50سم في أقصى الشمال والجنوب).
2) التغيرات الموسمية (وتصل لمدى حوالى 30سم).
3) التغيرات الناشئة عن الطقس (تصل إلى 70سم، وهذه ذات أهمية خاصة لأنها يمكن أن تمتد إلى فترات تصل إلى عدة أيام وبالتالي تؤثر على مستوى منسوب المياه على قمة سطوح الشعاب الضحلة).
رابعاً: حركة العناصر المغذية:
تغير مستوى المغذيات يمكن أن يؤثر بشكل كبير على بيئة الشعاب المرجانية. فعلى سبيل المثال، زيادة كمية العناصر المغذية، قد تعزز نمو الحيوانات الضخمة التي يمكن أن تتنافس مع الشعاب المرجانية على الضوء والأكسجين. وعند النظر إلى ميزانية العناصر المغذية في البحر الأحمر نجد أنها تتسم بزيادة في كمية النيتروجين، وقد يُعزى هذا إلى إنتاجيته المحتملة من قبل مجتمعات الشعاب المرجانية.
مياه البحر الأحمر تفتقر إلى المغذيات، فالمصدر الرئيسي للمغذيات المائية يأتي من دخول مياه خليج عدن عبر مضيق باب المندب، حيث نجد ارتفاع نسب المغذيات في جنوب البحر الأحمر الذي يماثله ميل في ارتفاع نسبة الكلوروفيل-أ. وقد قمنا في عام ٢٠١١م بتتبع هذه المياه خلال رحلة علمية ووجدنا أن جزءاً كبيراً منها ينتقل على طول ساحل المملكة حتى يصل إلى خط عرض ٢٤ درجة مع انخفاض تدريجي في نسب المغذيات، والجزء المتبقي منها ينتقل في اتجاهات عرضية.
تقوم التيارات البحرية بدور مهم في نقل العناصر المغذية أفقياً ورأسياً ويكون وصفها كالتالي:
1) التيارات السطحية الناشئة عن حركة دوامية في أماكن مختلفة على طول محور حوض البحر الأحمر، حيث تتميز هذه الدوامات بعرض قطر كبير يسود تقريباً عرض البحر الأحمر. هذه التيارات تتكفل إلى حد كبير بعملية النقل الأفقي (شرقاً وغرباً) لمياه خليج عدن. كما تنتج عن هذه الدوامات تيارات عمودية بطيئة تعمل على نقل وتوزيع العناصر المغذية بين مياه البحر المفتوح والمنطقة الساحلية.
2) عند المناطق الساحلية تنبثق تيارات مائية عمودية من القاع بحركة بطيئة لتحل مكان المياه السطحية المزاحة أفقياً بسبب هبوب الرياح المحلية من اليابسة، حيث تكون هذه العملية مهمة في نقل المغذيات العميقة إلى الشعاب المرجانية الهامشية.
3) التيارات السطحية الموازية للساحل التي تنقل مياه خليج عدن من الجنوب إلى الشمال.
خامساً: الغبار:
أقمنا عدة دراسات لمعرفة تأثير هباء الغبار الجوي على نظام بيئة البحر الأحمر، حيث كانت دراسات تأثير هباء الغبار الجوي شحيحة في الماضي وبدأت تأخذ في الازدياد خلال الآونة الأخيرة. وقد ثبت أن الغبار يحد بشكل كبير من اختراق الضوء وتسخين سطح البحر الأحمر نتيجة احتباس الموجات القصيرة لأشعة الشمس.
يحتوي هباء الغبار الجوي على كميات كبيرة من العناصر المغذية، والمحتمل أن تؤثر عملية ترسب الغبار تأثيراً كبيراً على ميزانية العناصر المغذية في مياه البحر الأحمر وإنتاجيته الأحيائية، وهذا ما يزال تحت قيد البحث والدراسة.
وفي الختام، أشير إلى ما أوضحته نتائج البحث الذي نشر في عام 2016م وشارك فيه 30 عالماً من علماء علوم البحار، إذ تم العثور على نظام ضخم للشعاب المرجانية على مساحة 9300 كيلومتر مربع تحت المياه الموحلة بالقرب من مصب نهر الأمازون، ويراوح عمقها بين 30 و120 متراً ووجد بها أكثر من 60 نوعاً من الاسفنج، و73 نوعاً من الأسماك. وتعتبر هذه النتائج مذهلة لنا كعلماء، إذ من المعروف أن مصبات الأنهار الكبرى في العالم تنتج فجوات كبيرة في أنظمة الشعاب المرجانية بحيث لا تنمو الشعاب المرجانية فيها. والعجيب أيضاً أن مصب نهر الأمازون واحد من أكثر المصبات طيناً في العالم، ولذلك فإن عكارة المياه وعذوبتها تجعلها بيئة لا تنمو بها الشعاب المرجانية لأنها تحتاج إلى مياه مالحة صافية تخترقها أشعة الشمس لكي تنمو وتزدهر.. ومع ذلك ما يزال فهم تأثير خواص العمليات البحرية الفيزيائية المحيطة ببيئة المرجان تحتاج الى المزيد من البحث والدراسة.
ويحتوي البحر الأحمر على موارد طبيعية فريدة متنوعة ذات بيئة حساسة وتعتبر الحيود المرجانية من أهم هذه الموارد. فإذا أردنا الحفاظ على هذه الموارد الساحلية واستدامتها، فهناك حاجة ملحة لاتخاذ إجراءات فعالة لتلبية هذا المطلب، حيث يجب الاستفادة من موارد هذه المناطق بنظام الإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية وهي عملية حوكمة، تعمل من القمة إلى القاعدة، وتشمل الأطر القانونية اللازمة لضمان تكامل خطط التنمية لتحقيق الأهداف البيئية والاجتماعية، ويتم إعدادها بالتكامل والمشاركة بين الجهات والهيئات (حكومية وخاصة) التي تعمل على الحد من تخفيف الأضرار على الموارد الساحلية. لقد أدركت المملكة العربية السعودية أهمية منطقتها الساحلية بالنسبة للاقتصاد الوطني وأيضاً بالنسبة لنوعية حياة مواطنيها على المناطق الساحلية. وقد تم الاتفاق بين الهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية لإعداد تقييم وطني للوضع الراهن من خلال مبادرة حماية البيئة البحرية والساحلية. وعملي كباحث رئيسي للمشروع سيتضمن المضيّ نحو تحقيق هذا الهدف بحيث تعطى الأولوية لاتخاذ الإجراءات التي من شأنها تمكين التنمية المستدامة وإدارة الموارد البحرية في المملكة.
في هذا المقال، سوف نقوم بالحديث عن الشعاب المرجانية من منظور خواص العمليات البحرية الفيزيائية التي تؤثر على صحة الشعاب المرجانية في البحر الأحمر. ولكن قبل أن نبدأ، دعونا نلقي الضوء على أهميته، حيث تقوم الشعاب المرجانية بحماية المناطق الساحلية من الأمواج العاتية وتوفير الغذاء عن طريق الصيد البحري وإدخال عوائد مالية لسكان السواحل إذا استثمرت اقتصادياً. كما بدأت الأبحاث تبين من نهاية القرن الماضي أنها مصدر لأدوية طبية متنوعة، لذا فإن تدمير الشعاب المرجانية له آثار وخيمة على مياه المحيطات والبشرية.
تمثل مساحة الشعاب المرجانية حوالى 0.07% من مساحة محيطات العالم، وبالرغم من هذه النسبة الضئيلة جداً إلا أنها تقوم بتوفير البيئة اللازمة لحياة ما يقارب 25% من الكائنات البحرية المعروفة في المحيطات، إذ إن اختلاف الأنواع البحرية التي تعيش على الشعاب المرجانية هو الأكبر من أي نظام بيئي آخر في العالم، ويقدر العلماء أن أكثر من مليون نوع من النباتات والحيوانات مرتبطة بالنظم البيئية للشعاب المرجانية. تغطي شعاب البحر الأحمر مساحة تزيد على 1500 كيلومتر طولاً مع النظم البيئية المرتبطة بها؛ مثل الجزر وأشجار المنغروف ومناطق السبخات، وتبلغ مساحة الشعاب المرجانية في البحر الأحمر وخليج عدن نسبة تقارب حدود 7% من مساحة شعاب مرجان العالم.
تواجه الشعاب المرجانية على المستوى العالمي تهديدات بسبب التغير المناخي وكذلك الممارسات المضرة للمحافظة على استدامة موارد الشعاب المرجانية. وبناءً على النتائج الواردة من فريق رفيع المستوى معني بتحقيق اقتصاد محيطاتٍ مستدام، حذر تقرير مؤتمر الأمم المتحدة بشأن التغيُّر المناخي (COP25) الذي عُقِد في مدريد خلال ديسمبر الماضي، إنه حتى مع اتخاذ التدابير الصارمة تجاه المناخ للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، لا يزال من المُتوقَّع أن تتقلَّص مساحة الغطاء المرجاني عالميًّا بنسبة 28%، الأمر الذي تنجم عنه خسائر اقتصادية تصل إلى 6%. فمصر مثلاً، حسب التقرير، قد تفقد إيراداتٍ تُقدر بحدود 65 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2100م مقارنة بما حققته خلال عام 2019م، حيث يعتبر اقتصاد سياحة الشعاب المرجانية في مصر هو الأضخم عالمياً بنسبة أرباح تصل إلى 7 مليارات دولار أمريكي سنوياً من أنشطة الغوص والأنشطة المتعلقة بالغطس السطحي.
هناك دول أخرى تأتي بعد مصر كإندونيسيا والمكسيك وتايلاند وأستراليا بأعلى الإيرادات، حيث يحقق اقتصاد سياحة الشعاب المرجانية على مستوى العالم 35 مليار دولار أمريكي سنوياً، ولكن قد يواجه تحدياً كبيراً بحلول عام 2100، فمن الممكن أن تفقد هذه البلدان مجتمعةً ما يراوح بين 72% و87% من مساحة الشعاب المرجانية وخسارة 90% من قيمة الأنشطة السياحية ذات الصلة الوثيقة بالشعاب المرجانية.
العمليات الفيزيائية التي تؤثر على نمو
وازدهار الشعاب المرجانية في البحر الأحمر
أولاً: درجة الحرارة:
يمكن اعتبار البحر الأحمر بيئة قاسية للشعاب المرجانية التي تعيش في المياه الضحلة، حيث تتجاوز درجات حرارة المياه القريبة من السطح 32 درجة مئوية في فصل الصيف. مثل هذه المياه المرتفعة الحرارة يمكن أن تجعل الشعاب المرجانية عرضة للتبييض والقضاء عليها، فارتفاع حرارة المياه يفقد الشعاب المرجانية تلك الألوان الزاهية ويحولها إلى اللون الأبيض بسبب طرد نوع من أنواع الطحالب التي تعيش في أنسجتها، حيث تزود هذه الطحالب الشعاب المرجانية بإمدادات الغذاء بفضل عملية التمثيل الضوئي، التي تعطي للشعاب المرجانية طاقة تسمح لها بالنمو. لقد تم توثيق أحداث التبييض بسبب زيادة معدلات درجات الحرارة في البحر الأحمر وخاصة تلك المرتبطة بأحداث ظاهرة التبييض للشعاب المرجانية في العالم للأعوام 1998 و2010 و2015م.
وبالرغم من حدوث ظاهرة التبييض إلا أن شعاب مرجان البحر الأحمر تظهر مقاومة أعلى لدرجات الحرارة المرتفعة مقارنة مع الشعاب المرجانية الاستوائية في أماكن أخرى من العالم، إذ إن درجات الحرارة في وسط البحر الأحمر خلال فصل الصيف تعتبر حتماً مميتة للشعاب المرجانية في معظم المناطق الاستوائية الأخرى كمنطقة البحر الكاريبي والحاجز المرجاني العظيم في أستراليا. الشعاب المرجانية في شمال البحر الأحمر لديها ممانعة أقوى بشكل خاص من الارتفاع المفرط في درجة حرارة المياه، حيث تظهر القدرة على تحمل هذه الزيادة بشكل مذهل يصل إلى 4 درجات مئوية فوق متوسط درجة حرارة مياه الصيف دون ظهور أي علامات لظاهرة التبييض.
وعند الانتقال من مياهه السطحية المرتفعة الحرارة إلى مياهه العميقة (2000م) نجد أنها أيضاً تكون ذات حرارة عالية، فهي فريدة من نوعها ولها خاصية مميزة مختلفة عن أماكن أخرى في محيطات العالم من حيث الحفاظ على درجات الحرارة على مدار السنة، التي تكون قريبة من أو تتجاوز 20 درجة مئوية على طول عمق عمود الماء (على عكس درجات حرارة المياه العميقة في معظم بيئات المحيطات المفتوحة، التي عادة ما تكون في أرقام فردية منخفضة). فهذه المياه العميقة الدافئة تؤثر تأثيرا قوياً على كيميائية كربونات عمود الماء، حيث تنخفض قابلية ذوبان كربونات الكالسيوم في ارتفاع درجة حرارة المياه (لدرجة فائقة التشبع) وبالتالي قدرة نمو الشعب المرجانية وازدهارها في بيئة مياهه العميقة الدافئة تجعل من البحر الأحمر فريداً مقارنة ببحار العالم.
ثانياً: الأمواج السطحية:
على الشعاب المرجانية الهامشية تظهر بيئتان مميزتان نتيجة لحركة الأمواج:
• بيئة عالية الطاقة على الجزء المكشوف من الشعاب (الشعاب الأمامية أي الشعاب المعرضة للبحر المفتوح) التي يجب أن تتكيف معها الشعاب المرجانية.
• وبيئة هادئة نسبياً على الجانب الخلفي للشعاب المرجانية.
تعمل الأمواج أيضاً كمحرك رئيسي لتدفق وتحريك المياه على سطوح الشعاب المرجانية الهامشية، حيث تتسبب الأمواج المتكسرة في تكدس المياه على الشعاب الأمامية عالية الطاقة، مما ينشأ عنه ارتفاع في منسوب المياه وتكوين ميلان تدريجي لتدفق المياه نحو الشعاب الخلفية ذات البيئة الهادئة نسبياً.
ثالثاً: تغيرات منسوب سطح البحر:
تؤثر التغييرات في مستوى منسوب سطح البحر بشكل كبير على طبيعة حركة المياه وطبيعة حركة توزيع الحرارة على سطوح الشعاب الضحلة. وبشكل عام، يمكن تقسيم تغيرات منسوب سطح البحر الأحمر إلى:
1) حركات المد والجزر (تراوح بين 25سم عند وسط البحر الأحمر وتقترب من 50سم في أقصى الشمال والجنوب).
2) التغيرات الموسمية (وتصل لمدى حوالى 30سم).
3) التغيرات الناشئة عن الطقس (تصل إلى 70سم، وهذه ذات أهمية خاصة لأنها يمكن أن تمتد إلى فترات تصل إلى عدة أيام وبالتالي تؤثر على مستوى منسوب المياه على قمة سطوح الشعاب الضحلة).
رابعاً: حركة العناصر المغذية:
تغير مستوى المغذيات يمكن أن يؤثر بشكل كبير على بيئة الشعاب المرجانية. فعلى سبيل المثال، زيادة كمية العناصر المغذية، قد تعزز نمو الحيوانات الضخمة التي يمكن أن تتنافس مع الشعاب المرجانية على الضوء والأكسجين. وعند النظر إلى ميزانية العناصر المغذية في البحر الأحمر نجد أنها تتسم بزيادة في كمية النيتروجين، وقد يُعزى هذا إلى إنتاجيته المحتملة من قبل مجتمعات الشعاب المرجانية.
مياه البحر الأحمر تفتقر إلى المغذيات، فالمصدر الرئيسي للمغذيات المائية يأتي من دخول مياه خليج عدن عبر مضيق باب المندب، حيث نجد ارتفاع نسب المغذيات في جنوب البحر الأحمر الذي يماثله ميل في ارتفاع نسبة الكلوروفيل-أ. وقد قمنا في عام ٢٠١١م بتتبع هذه المياه خلال رحلة علمية ووجدنا أن جزءاً كبيراً منها ينتقل على طول ساحل المملكة حتى يصل إلى خط عرض ٢٤ درجة مع انخفاض تدريجي في نسب المغذيات، والجزء المتبقي منها ينتقل في اتجاهات عرضية.
تقوم التيارات البحرية بدور مهم في نقل العناصر المغذية أفقياً ورأسياً ويكون وصفها كالتالي:
1) التيارات السطحية الناشئة عن حركة دوامية في أماكن مختلفة على طول محور حوض البحر الأحمر، حيث تتميز هذه الدوامات بعرض قطر كبير يسود تقريباً عرض البحر الأحمر. هذه التيارات تتكفل إلى حد كبير بعملية النقل الأفقي (شرقاً وغرباً) لمياه خليج عدن. كما تنتج عن هذه الدوامات تيارات عمودية بطيئة تعمل على نقل وتوزيع العناصر المغذية بين مياه البحر المفتوح والمنطقة الساحلية.
2) عند المناطق الساحلية تنبثق تيارات مائية عمودية من القاع بحركة بطيئة لتحل مكان المياه السطحية المزاحة أفقياً بسبب هبوب الرياح المحلية من اليابسة، حيث تكون هذه العملية مهمة في نقل المغذيات العميقة إلى الشعاب المرجانية الهامشية.
3) التيارات السطحية الموازية للساحل التي تنقل مياه خليج عدن من الجنوب إلى الشمال.
خامساً: الغبار:
أقمنا عدة دراسات لمعرفة تأثير هباء الغبار الجوي على نظام بيئة البحر الأحمر، حيث كانت دراسات تأثير هباء الغبار الجوي شحيحة في الماضي وبدأت تأخذ في الازدياد خلال الآونة الأخيرة. وقد ثبت أن الغبار يحد بشكل كبير من اختراق الضوء وتسخين سطح البحر الأحمر نتيجة احتباس الموجات القصيرة لأشعة الشمس.
يحتوي هباء الغبار الجوي على كميات كبيرة من العناصر المغذية، والمحتمل أن تؤثر عملية ترسب الغبار تأثيراً كبيراً على ميزانية العناصر المغذية في مياه البحر الأحمر وإنتاجيته الأحيائية، وهذا ما يزال تحت قيد البحث والدراسة.
وفي الختام، أشير إلى ما أوضحته نتائج البحث الذي نشر في عام 2016م وشارك فيه 30 عالماً من علماء علوم البحار، إذ تم العثور على نظام ضخم للشعاب المرجانية على مساحة 9300 كيلومتر مربع تحت المياه الموحلة بالقرب من مصب نهر الأمازون، ويراوح عمقها بين 30 و120 متراً ووجد بها أكثر من 60 نوعاً من الاسفنج، و73 نوعاً من الأسماك. وتعتبر هذه النتائج مذهلة لنا كعلماء، إذ من المعروف أن مصبات الأنهار الكبرى في العالم تنتج فجوات كبيرة في أنظمة الشعاب المرجانية بحيث لا تنمو الشعاب المرجانية فيها. والعجيب أيضاً أن مصب نهر الأمازون واحد من أكثر المصبات طيناً في العالم، ولذلك فإن عكارة المياه وعذوبتها تجعلها بيئة لا تنمو بها الشعاب المرجانية لأنها تحتاج إلى مياه مالحة صافية تخترقها أشعة الشمس لكي تنمو وتزدهر.. ومع ذلك ما يزال فهم تأثير خواص العمليات البحرية الفيزيائية المحيطة ببيئة المرجان تحتاج الى المزيد من البحث والدراسة.