كاريوكا بالملاية المصرية.
كاريوكا بالملاية المصرية.
موريس بيانا حصل على السعفة بشكل غريب.
موريس بيانا حصل على السعفة بشكل غريب.
الأخوان جان ولوك داردين.
الأخوان جان ولوك داردين.
ألان رينسيه خلال إخراجه «هيروشيما حبيبتي».
ألان رينسيه خلال إخراجه «هيروشيما حبيبتي».
المصورون خلال تجاهلهم إليسا.
المصورون خلال تجاهلهم إليسا.
فريق عمل الفيلم التونسي مكتوب يا حبي: اللحن الفاصل.
فريق عمل الفيلم التونسي مكتوب يا حبي: اللحن الفاصل.
-A +A
حصة آل فاتن HFN_19990@
شهد عام 1946 الانطلاقة الرسمية لأول دورة لمهرجان «كان للسينما»، ومنذ ذلك الوقت وهو يحصد اهتمام الجمهور من كل أنحاء العالم؛ نظير القيمة الفنية التي تجسدها الأعمال المعروضة في المسابقة الرسمية، وكذلك الحضور السينمائي الوازن لمختلف النجوم التي تعبر بساطه الأحمر، إضافة إلى الجوائز القيمة التي تعتبر تتويجا للأعمال المتفوقة والنجوم المبدعة من عالم السينما بشكل عام، ولعل أبرزها «السعفة الذهبية» التي تمنح لأفضل فيلم مشارك على الإطلاق، ثم تليها جائزة لجنة التحكيم، لتتعاقب بعدها الجوائز الخاصة بأفضل مخرج وأفضل كاتب سيناريو، ثم أفضل ممثلة وممثل، دون أن ننسى جائزة أفضل فيلم قصير مشارك في المهرجان.

ومع ذلك فالجوائز ليست هي كل شيء في المهرجان، فهناك العديد من الأحداث الطريفة والقصص النادرة والصراعات الخفية التي أعطت على مر عقود من الزمن لهذا المهرجان طعما خاصا ومتفردا.


في هذا التقرير سنسلط الضوء على بعض الملامح الغائبة عن المتتبعين، فربما نتوصل من خلال السرد إلى أن طرائف المهرجان وقصصه الشيقة لا يمكن اختزالها في ممثلة تمشي حافية القدمين على البساط الأحمر لاستمالة المصورين، أو سقوط أخرى على درج المسرح، فهناك فضائح وطرائف وقصص أكثر عمقا ودلالة.

«كاريوكا».. بـ «الملاية والشبشب»

بالملاية والشبشب، كانت إطلالة الممثلة الراقصة المصرية تحية كاريوكا على البساط الأحمر لمهرجان كان قصد استمالة الجمهور، لتبقى صورتها من أطرف الذكريات التي يحتفظ بها متتبعو السينما العربية الكلاسيكية. والواقعة مسجلة في دورة عام 1956، وهي السنة نفسها التي وافقت تأميم مصر لقناة السويس.

لم يكن صدفة أن تكون تحية كاريوكا من النجوم المتوهجة على السجادة الحمراء، فهي النجمة الوحيدة التي مثلت العرب في تلك الدورة لبطولتها في فيلم «شباب امرأة» المرشح بقوة للفوز بإحدى الجوائز، خصوصا أن مخرجه صالح أبوسيف استعان بأبرز نجوم الشاشة العربية كشكري سرحان لتمرير نمط جديد من السينما الواقعية المستندة على الجرأة في أغلب مشاهد الفيلم الذي احتل الصدارة من حيث القيمة الفنية للأعمال العربية السينمائية لتلك السنة، والأكيد أن ذلك ما دفع تحية ورفاقها من الطاقم الفني للاعتقاد أنهم سيحصلون على الاهتمام اللازم من وسائل الإعلام وإدارة المهرجان.

هذا ما لم يحدث في بادئ الأمر، فكاميرات المصورين كانت تتحين الفرص للانقضاض على نجوم هوليوود، وهي الكاميرات نفسها التي لم تكن لتتعرف على المشاركين العرب الذين بصموا المهرجان منذ تلك اللحظة بمشاركات متواضعة، هذا السبب بالذات أثار حفيظة تحية فقررت دون تنازل أن تتقمص شخصيتها المصرية الحقيقية، معلنة التمرد على الأناقة الباريسية التي تطبع مظهر الفنانات في هذا المهرجان العالمي، فصعدت إلى غرفتها بسرعة، ثم قامت بارتداء «الملاية اللف» و«الشبشب البوردة»، لتخرج بهذه الصورة أمام المصورين ووسائل الإعلام الذين أثارهم مظهرها ومشيتها، وكذلك تصرفاتها على السجادة الحمراء.

هذا الشبشب أصبح مشهورا في الروايات الكلاسيكية عن المهرجان، كما أسال الكثير من الأقلام الفرنسية التي ما زالت تذكر الحادثة في مجلاتها كلما تعلق الأمر بالحديث عن أغرب الطرائف التي حدثت في «كان»، وذلك لأن مغامرة تحية لم تتوقف عند غزوة الشبشب للسجادة الحمراء، بل واصلت حفلة الردح والاندفاع بسذاجة وهي -الراقصة المحترفة- عندما ضربت النجم «داني كاي» على وجهه، لتمنعه من التدخل في مشادة كلامية لها مع الممثلة «سوزان هيزارد»، إذ بلغ صوت كاريوكا كل أركان الصالة؛ إثر حديث عن خطوة مصر لتأميم قناة السويس.

اليسا.. تجاهل المصورين

مشهد التجاهل الإعلامي للمشاركين العرب في «كان» تكرر مرات عديدة في دورات المهرجان، وذلك لأن آفاق الفنان العربي محدودة لا تصل للعالمية، فعدد منهم لا يحسنون المشي على البساط الأحمر كما يفعل نجوم السينما الأمريكية أو الهندية. ولعل أهم حادثة حصلت كانت مع الفناة اللبنانية «اليسا»، التي عبرت البساط الأحمر وفي اعتقادها حدود العالم لا تتعدى بيروت، فاصطدمت بالتجاهل من المصورين الذين رمقوا وجهها لأول مرة وهي تتوسل كاميراتهم لأخذ ولو صورة واحدة. وبذلك انسحبت في مظهر مخجل تاركة المجال للنجمات العالميات اللواتي سحبن البساط ذات يوم من كاريوكا المقاومة بسلاح الملاية والشبشب البلدي، وهو السلاح الذي لا تمتلكه اليسا، حتى تعلن به الغضب العارم على تجاهل منظمي المهرجان ومعهم الإعلام للفنانين العرب.

فضائح التحكيم وسمعة المهرجان

المعروف أن «كان» هو مهرجان للسينما، تحظى جوائزه باهتمام بالغ من طرف النجوم الذين يتسابقون عليها إذا ما سمحت لهم الفرصة بعبور بساطه العالمي، لأن هناك لجنة فنية تعمل بشكل دقيق ومنضبط على تمرير الأعمال التي ستشارك في المسابقة، بينما تستبعد الأفلام الرديئة حتى لو كان أبطالها من أشهر نجوم العالم. لكن في الآن ذاته هذا لا يعني أن المهرجان سيفلت من الانزلاقات التي وصلت حد الفضائح في هذا المجال، وهي فضائح أثرت بشكل كبير على المصداقية التي كانت تبصم بها لجان التحكيم على كل عمل حتى يصل للعالمية. من الفلتات التي سجلها النقاد في تاريخ المهرجان، وهي فلتات لصيقة بأداء لجان التحكيم المشرفة على تقييم الأعمال المشاركة، يمكن أن نذكر على سبيل الحصر منها ثلاثا، كانت واضحة للجمهور والمتتبعين، وذلك لما أثارته من ضجة مست سمعة المهرجان بالدرجة الأولى قبل أن تشكك في كفاءة القائمين على تقييم الأعمال السينمائية المشاركة.

نبدأ بعام 1987، إذ حصل المخرج الفرنسي موريس بيالا بشكل مريب على السعفة الذهبية في الدورة الـ40 للمهرجان نظير مشاركته بفيلم «تحت شمس الشيطان»، وهي الجائزة الأرفع بين جوائز المهرجان. هذا التتويج قابله النقاد بكثير من الاستهجان قبل أن ينطلق الجمهور في القاعة بالصفير والسخرية فور إعلان النتيجة، وهو ما واجهه موريس كعادته بكثير من الانفعال وهو يخطب على المنصة بصوت مرتفع: إذا كنتم لا تحبونني فأنا لا أحبكم.

موريس بيالا يعتبر من رواد السينما الواقعية الفرنسية، ومن المجددين في ذلك العقد في طريقة طرحه للقضايا الاجتماعية والنفسية في مختلف أعماله التي زين بها المكتبة العالمية. لكن في هذا الفيلم بالذات وجه النقاد لوما لاذعا لموريس باعتبار «تحت شمس الشيطان» عملا لم يرق لمستوى أعماله السابقة، وهو ما زاد من حنق الجمهور عندما راقبوا تواطؤ لجنة التحكيم إلى حد مبالغ فيه، لتظل هذه السقطة لصيقة بموريس طول العمر إلى حين وفاته عام 2003.

الأمر ذاته حدث عام 1999، فالسعفة الذهبية حينها عادت للأخوين البلجيكيين جان بيير داردين ولوك داردين عن فيلم «روزيتا»، الذي لعبت دور بطولته «ايميلي ديكوني»، التي حصلت بدورها على جائزة أفضل ممثلة، وهو ما زاد من تأجيج الاحتجاجات على لجنة التحكيم التي ترأسها الكندي «ديفيد كروتمنبرغ». إذ اعتبر النقاد الفيلم ضعيفا جدا من الناحية الفنية إذا ما تمت مقارنته مع الأعمال المتنافسة.

اللحن الفاصل.. دون المستوى

عام 2019، كانت فضائح المهرجان مختلفة للغاية، فمن ضمن الأعمال المشاركة في المسابقة نجد فيلم «مكتوب يا حبي: اللحن الفاصل» لمخرجه الفرنسي من أصل تونسي عبداللطيف كشيش. وقد تم عرض الفيلم ضمن الأعمال المتنافسة في المسابقة الرسمية دون حصوله على أي جائزة من الجوائز.

وهنا، لنا أن نتصور أن هذا الفيلم بسبب تواضعه الفني الذي وصل حد الرداءة، كانت فقط مسألة عرضه مثيرة للاستهجان والسخرية، فكيف لو فاز بإحدى الجوائز للمسابقة. لدرجة أن الكثير من النقاد وضعوا العديد من علامات الاستفهام حول أداء اللجنة التي تشرف على اختيار الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية، ليتبين في الأخير أن اللجنة لم تشاهد النسخة كاملة من الفيلم قبل اعتماده، إذ جاء في بعض التقارير الصحفية بأن «تيري فريمان» مدير المهرجان شاهد فقط 25 دقيقة من الفيلم، ثم وافق على إدراجه وهو ما زال في طور التصوير قبل الاكتمال.

هذه الواقعة وصفها الكثير من المتتبعين بأنها مشينة في حق مهرجان عالمي مثل مهرجان «كان».

تحت رداء السياسة

لو أردنا أن نتحدث عن تدخل السياسة في أعمال المهرجان فعلينا أن نعود لتحية كاريوكا، ونجعلها مرة أخرى البداية نحو سرد مزيد من الأحداث والقصص في هذا الشأن، فالفيلم -كما ذكرنا- كان من إخراج صالح أبوسيف وبطولة شكري سرحان وتحية كاريوكا. ورغم تواضع السينما العربية في تلك الفترة أمام السينما الأمريكية والعالمية، إلا أن هذا الفيلم بمشاهده الجريئة وواقعيته المطلقة، كان مرشحا لحد كبير لأن يحصل على إحدى جوائز المهرجان، مع التأكيد منا أنه لم يكن في مستوى الحصول على السعفة الذهبية.

لكن، وبسبب الشجار الذي خاضته كاريوكا بالشبشب مع نجوم هوليوود، ونظرا للظرفية السياسية التي واكبت تأميم قناة السويس والصراع العربي الإسرائيلي في تلك اللحظة، فإن الفيلم تم استبعاده نهائيا عن كل الجوائز الممكنة، وخرجت الجميلة تحية كاريوكا خاوية الوفاض هي ورفاقها من المهرجان، لتعزف مصر عن المشاركة بعد ذلك لمدة 6 سنوات متلاحقة، قبل أن تستأنف عام 1963.

هذه الواقعة ليست بالصيت الكبير، فقد تلتها وقائع أخرى كانت هي الأوضح لزج السياسة في تفاصيل المهرجان، ففي دورة عام 1956 تدخل التاريخ بأهوائه السياسية الثقيلة لاستبعاد فيلم «الليل والضباب» للمخرج «ألان رينسيه»، الذي تطرق فيه لمعسكرات الاعتقال النازي، وهو ما أثار حفيظة الألمان في تلك الدورة، وألحوا على استبعاده مهددين بالانسحاب. ولعله السلوك نفسه سيقدم عليه الوفد الأمريكي في دورة عام 1959، عندما وجدوا أنفسهم أمام أحد الأعمال التي تحيي الذاكرة الحزينة لليابانيين، وهو فيلم «هيروشيما حبيبتي»، الذي أوجع الجروح التي لم تندمل بعد فاجعة القنبلة الذرية لعام 1944، إبان الحرب العالمية الثانية، فما كان من إدارة المهرجان إلا أن استبعدت الفيلم لتجنب أي ردود سياسية سلبية.

منذ تلك الفترة، استمر المهرجان يئن تحت وطأة السياسة بشكل متوال في كثير من الدورات، حتى أنه عام 2010 وجد المنظمون أنفسهم منصاعين لإرادة أكثر من ألف متظاهر أمام قصر المهرجان في مدينة «كان» لمنع عرض فيلم «الخارجون عن القانون» للمخرج الجزائري رشيد بوشارب، وذلك بعد الزخم السياسي الذي أثارته أحداث الفيلم المتعلقة بحقبة الاستعمار الفرنسي للجزائر.